إسلام ولد وحيد لأب بسيط يعمل في مصنع صغير لإنتاج الورق، وأمهُ سيدة بـسيطة لا تَـعْـرِف مـن دنياهـا سِـوَى زوجهـا وابنهـا إسـلام، والأب والزوجـة يعيـشون فـي بيـت بَـسِيط متواضـع لا تتـوافر فيـه إلا إمكانيـات بـسيطة، ورغـم ذلـك فنجـد دائمًا الأسرة في سعادة ورضا، يجمعهم الحب والدفْء والحنان والقناعة.
وكان الأب الذي يجهل القـراءة والكتابـة يُـصِرّ علـى أن يُـوَفـرَ لابنِـهِ إ ْـسلام كُـ ل مَـا يحتـاج إليـه لإكمـال دراسـته، كـان الأب يعمـل فـي مـصنعه بِتَـفَـانٍ وإخْـلاص ،وَيَظَلّ في عمله لساعات طويلة، وكانت الأم تَـرْعَى بيتَـهَا، وُتُـوَفر جـوا مِـنَ الهـدوء والاستقرار والسعادة لزوجها وابْنها .
كان إسلام يرى بعينه كِفَاحَ أَبِيـه وعَمَلَـهُ الـدؤوب مـن أجـل لقْمَـةِ العـيش، وكـان بـدوره يجتهـد فـي تحْـصِيل دروسـه رغبَـةً منـه فـي النجـاح والتفـوق؛ لتحقيـق أمنيـةِ والديه في حصوله على شهادة جامعية، يـستطيع مـن خلالهـا أن يُـعَـوضَ أبـاهُ وأمـهُ عن تعب الأياِم والسنين.
واستطاع إسلام أن يحـصل علـى الـشهادة الابتدائيـة بتفـوقٍ كبيـر، وَتَـ م تكريمُـهُ هـو وأسـرته فـي حَفْـلٍ كبيـر؛ فـازدَاد طمـوحُ إسـلام وإصـرارهُ علـى مواصَـلَةِ مـشوار النجاح والكفاح، وكان لنجاح إسلام أثَـرٌ طيبٌ على الأسرة التي غمرتهـا الـسعادة والفرحة.
ومـرت الأيـام والـسنون.. وأسْـرَُة إسـلام فـي صِـرَاع مـع الحيـاة وقَـسْوَتِهَا، وعلـى أبـواب الـشهادة الإعداديـة حَـدَثَ مـا لـم يَكُـنْ فـي الحـسْبَان؛ حيـث مَـرِضَ الأبُ مرضًـا شـديدًا ألْزَمَـهُ الفِـرَاش لـشهور طويلـة، وأصـبح إسـلام فـي موقـف لا يحْـسَد عليـه، فَـهُـوَ يريـد إكمـال دراسـته بتفـوق، وفـي نفـس الوَقْـتِ يريـد مـساعدة والِدَيْـهِ وعلاج أبيه، وحدَثَ أن زار زملاءُ العَمَلِ والِدَهُ في المنزل لِيطْمَئنوا عليه، وعرض الـزملاء علـى الأب المـريض أن يَـعْمَـل ابنـه إسـلام فـي المـصنع بـدلاً منـه، فـرفض الأب وبكى بكاءً شديدًا وقال: إن إسلام هو أمَلِي في هـذه الـدنيا، وكنـت أتَمَنـى أن أراهُ مهندسًا؛ فكيف أتخَلى عنه اليوم وأجْعَل منه عاملاً في مصْنَعٍ صَغِير؟! وانْـصَرَف الـزملاء، وتركـوا الأب فـي حيـرة مِـنْ أمْـرِِه، وكـان إسـلام قَـدْ سـمع حديثهم وهو يُـقَدمُ لهم الشاي، فدَخَل على أبيه وقال له: أنـا موافـق يـا أبـي علـى العمل في المصنع، وأريدك أن تطْمَئِ ن، فلـن أتـرك دراسـتي فـسأعمل فـي المـصنع ليلاً وأذْهَبُ للمدرسة، فنظر إليه الأب وعيْـنَاه تذرفان الدموع، وقال: يـا بُـنَـيّ، إن فـي ذلـك مـشقةً عليـك؛ فأنـت مـا زلْـتَ صـغيرًا علـى هـذا العَمَـلِ الـشاق! فيَـرُدّ إسـلام: يـا أبـي، لقـد أصْـبَحْتُ رجُـلاً، ويجـب أن أتحَمـلَ مـسئولية نفقـة البيـت وتكاليف علاجك، فأرجوك أن توافق على طلب الزملاء.
وافق الأب، وذهب إسلام للمصنع، فَـرَحبَ بـه زمـلاء أبيـه، وعَـرَضَ كـل واحـد منهم عليـه أن يـساعده فـي عملـه، فـشَكَرَهُمْ، وقـال لهـم: سـأعمل مـا يُطْلَـب منـي وأرجُـو أن أكـون عنـد حـسن ظـنكُمْ بـي، ودارت الأيـامُ وإسـلام يجتهـد فـي عملـه وَيَـقُـومُ بـه علـى أحـسن وجْـه، حتـى نـال احتـرام الجميـع بِإخْلاصِـهِ فـي العمـل وأخلاقه، وسُلُوِكِهِ الطيب مع كل العَامِلِينَ في المصنع، وَتَدَينِـهِ وحِفَاظـه علـى أداء الصلوات في أوقاتها، فكان حافظًا لِكِتَابِ اﷲ، وعلى عِلْمٍ وخُلُق .
وكـان يتقـدم العمـال للـصلاة بهـم فـي المـصنع، وكـان يـسأل فـي كـل كبيـرة وصـغيرة فـي المـصنع، وُيُحِـ ب أنْ يعْـرِفَ كـل شـيء عـن عملـه، وأظهـر فـي عملـه تفوقا وبراعة حتى حَظِي باحترام الجميع وثقتهم.
ورغم صعوبة العمـل ومـشقته إلا أنـهُ كـان يحَـافظ علـى الاسـتمرار فـي دراسـته ،حتى إنه حصل على الشهادة الإعدادية بتفوق أذْهَلَ الجميع، وأسْعَدَ هذا التفوقُ قَـلْـبَ الأب المـريض، واحْتَـفَـل عمـال المـصنع بتفـوق إسـلام، وقَـدمُوا لـه الهـدايا ،وتمَنـى كـل واحـد مـنهم أن يكـون لـه ابـن مثـل إسـلام فـي الأخـلاق والتفـوق والالتزام.
شعر إسـلام بالحـب والحنـان بـين زَُمـلاء العمـل فـي المـصنع، وشَـعَرَ بأنـه لـيس وحيـدًا فـي هـذه الـدنيا، وأن الـدنيا لا تَـزَال بخيـرٍ مـا دام فيهـا مثـل هـؤلاء العمـال البسَطَاء الذين أحاطوه بكل الرعاية والحب.
وتمُر الأيام والسنون سـريعةً، ْـويحصُلُ إسـلام علـى الثانويـة العامـة قِـسْم علمـي رياضـة، ويكـون مـن أوائـل الجمهوريـة، وَيَـتـصِلُ بـه وزيـر التربيـة والتعلـيم شخـصيا لِتَـهْنِئَتِهِ بالتفوق والنجاح، ويتحدث مع والِدَتِهِ ووالده الذي يشعر وكأنـه شُـفِيَ مِـنْ مَرَضِهِ، فنجاح إسلام أثْـلجَ الصدر وأسْكَنَ المَرَضَ.
وتـسابقت وسـائل الإعـلام المرئيـة والمـسموعة إلـى بيـت إسـلام المتواضـع؛ لِتَـنَـالَ كـل منهـا سـبق الحـصول علـى حَـدِيثٍ مـع إسـلام وأسْـرَتهِ، وكلمـا تحـدث إسـلام رد الفـضل فـي تفوقـه ونبوغـه ﷲ عَـز وَجَـل، ث ـم لأسـرته ووالـده الـذي تفـاني فـي تعليمـه وتربيتـه حتـى أصـابهُ المَـرَض ، ولأمـهِ التـي أخلـصت فـي رعايتـه. وكـان إسلام يقول: إني ما حَرَصْت على التفوق والنجـاح لأجلـي، إنمـا لأجـل أبـي وأمـي لأحقـق لهمـا الـسعادة، وأرجـو أن يكونـا راضـيَـيْن عنـي؛ فرِضَـاهُمَا هـو كـل أملـي وهَدَفِي في الحياة.
وتقدمَ إسلام بأوراقه إلى كلية الهندسة، وأصْبَحَ على أعتاب تحقيـق أمـل أبِيـهِ، وكان أثناء دراسته للهندسة مِثَـالاً للطالـب الملتـزم المتفَـوق ْـيحرص علـى تحـصيل العلـم، ولا يكتف ـي بالمحاضـرات، ب ـل ي ـذهب إلـى مكتب ـة الكليـة لِيَتَ ـزَودَ م ـن المعـارف والعلـوم فـي مجـال الهندسـة، وكـان يحـصل علـى تقـدير امتيـاز كـل عـام ،وكان عملـه فـي مـصنع الـوَرَقِ قـد أعطـاه خبـرة لا بـأس بهـا فـي مجـال التـعَامُـلِ مـع الآلات المختلفة.
تخـرجَ إسـلام فـي كليـة الهندسـة بتفـوق كبيـر؛ حيـث إنـه اخْتيـر ليكـون معيـدًا بالكليـة، لكنـه رَفَـضَ وآثـر أن يخْـرُجَ للعمـل مـن أجـل البـسطاء، ورغْـمَ تخرجِـهِ وحصوله على لقب مهندس، إلا أنه ظَ ل علـى تواضـعه وتدينـه، واسـتَمَر يَـعْمَـلُ فـي المـصنع الـذي أصـر صـاحبه علـى أن يكـون إسـلام هـو المـسئول عنـه، وأصـبح إسـلام الـذي دخـل المـصنع يوًمًـا مـا عـاملاً صـغيرًا مهندسًـا مـسئولاً عـن كـل كبيـرة وصـغيرة فيـه، ورغـم ذلـك لـم يتكبـرْ ويتعـالَ علـى العمـال الـذين كثيـرًا مـا جلـس بينهم وتناوَلَ طَعامهم، وَتَـرْبطه بهم علاقة ود وحب.
عمل إسلام على تطوير المصنع، وأدْخَلَ عليه الكثير من التطوير، وأثْـنَى على عَمَلِـهِ صـاحبُ المـصنع الـذي وضـع بـين يديـه كـل الـصلاحيات، وأصْـبَحَ المـصنع بفـضل اﷲ ثـم بعِلْـم إسـلام وطموحـه مِـنْ أشـهر وأهـم مـصانع الـورق فـي مـصر ،وأعْجب صاحب المصنع بإسلام عِلْمًا وخُلُقًا، فزوجه من ابنته الوحيدة.