المحتوي
- 1 إعداد وتحضير الأدوية فى الحضارة الاسلامية
- 2 طرق إعداد وتحضير الأدوية عند المسلمين
- 3 عملية الطبخ
- 4 عملية السحق
- 5 الإحـــــــــــــــراق
- 6 الغسل (التصويل)
- 7 الجمــــــــــــود
- 8 التنقية والتنظيف
- 9 التقطير
- 10 التصعيد ( Sublimliom )
- 11 الآلات والأدوات المستخدمة في تحضير الأدوية وحفظها
- 12 أدوات تنظيف وتنقية نباتات العقاقير، ومنها
- 13 أدوات طبخ الأدوية
- 14 الأدوية المفردة والمركبة عند المسلمين
- 15 أشهر المؤلفات العربية في الأدوية المفردة
- 16 الأدوية المركبة
- 17 كيفية صنع (عمل) الأدوية المركبة
إعداد وتحضير الأدوية فى الحضارة الاسلامية
كانت الأدوية -مفردة كانت أو مركبة- تحضَّر عند العرب على هيئة مستحضرات ذات أشكال مختلفة، تتوقف على طرق استعمالها وتعاطيها والغرض منها، كما كانت تُعَدّ بغرض أن يكون مفعولها محققًا مضمونًا، وفي الوقت نفسه لا تمجها النفس ولا تعافها([1]).
وكانت الخطوة الأولى التي يتخذها صيادلة وأطباء المسلمين في مرحلة إعداد الدواء هي مرحلة جمع النباتات الطبية التي تستخدم في تحضير الأدوية والعقاقير، وتكشف لنا الدراسات والأبحاث أن علماء المسلمين كانوا على دراية تامة بمواعيد جمع العقاقير النباتية وكيفية ادخارها، دون أن يتطرق إليها الفساد والتلف؛ إذ يذكر علي بن العباس المجوسي في كتابه (الملكي) أن النباتات البرية أقوى من البستانية وأصغر حجمًا، وأن الجبلية أقوى من البرية، وأن كل ما كان لونه أشبع وطعمه أظهر ورائحته أذكى فهو أقوى في بابه، وأن ما يُلْتَقط من الأدوية في الصيف يكون أقوى مما يُلْتَقط من الأدوية في الشتاء، كما أشار إلى أن العصارات ينبغي أن تعتصر من النباتات والأوراق الغضة الطرية التي أخذت منتهاها واتسعت سوقها، ومن الثمار البالغة النضجة([2]).
على حين أكد الشيخ ابن سينا على ضرورة جني الأوراق بعد أخذها من الحجم الذي لها، وبقائها على هيئتها قبل أن يتغير لونها وتنكسر قوتها، وأن البذور يجب أن تُلْتَقَط بعد أن يستحكم جرْمها وتنفش عنها الفجاجة المائية، وأوصى أيضًا بضرورة جني القبضان؛ أي: السيقان والأغصان قبل أن تأخذ في الذبول والتشنُّج؛ أي: التقبّض، والزهر بعد تمام التفتح، وقبل التَّذَبّل والسقوط، والثمار بعد تمام إدراكها، وقبل استعدادها للسقوط، وأشار كذلك إلى أن الحشائش تضعف بعد سنتين أو ثلاث سنوات، وأن ما يستثنى منها قليل للغاية.
أما كوهين العطار فقد شدد بدوره على ضرورة عدم جني العقاقير (النباتية) إلا بعد نضجها في مكانها واكتمال إدراكها، كما شدد أيضًا على ضرورة تنظيف العقاقير بعد جَنْيِهَا من طينها وعدم تجفيفها في الشمس فيفسدها حر الهواء، ولا في أماكن رطبه أو قريبة من الماء؛ فإنه ينديها ويفسدها بالتعفن، وأوصى كذلك بضرورة جني الأصماغ بعد الانعقاد وقبل الجفاف المعد للانفراك، وذكر أن قوة بقائها أكثر من بقاء البذور والأصول والعصارات؛ فالأفيون يضعف قوته في ثلاث سنين، والأدهان تترنخ وتفسد في عامين أو ثلاثة، أما البذور فهي تختلف في البقاء؛ فما كان منها كثير الدهان فإنه يفسد بسرعة، وأكثر بقائها عام ثم تتغير([3]).
وهكذا نرى أن أطباء وصيادلة المسلمين قد ذكروا وحددوا أوقات الحصول على النباتات المستخدمة في عمل العقاقير والأدوية ومواسمها وادخارها وخواصها والشروط الواجب اتباعها للحصول على الأدوية الجيدة منها، فالثمر يستخدم في صناعه الدواء، بشرط أن يكون صالحًا للبقاء مدة، فلا يعتريه الفساد بسرعة([4]).
وهكذا نرى أن أول خطوة في مراحل إعداد الأدوية عند المسلمين هي اختيار النبات الأفضل والأقوى والأكثر نضجًا، وطريقة جمعه وطرق تخزينه وحفْظه، حتى يكون الدواء المُعَدّ منه جيدًا وله منفعة وقوة مفعول عالية.
طرق إعداد وتحضير الأدوية عند المسلمين
ابتدع المسلمون طرقًا كثيرة في إعداد وتحضير الأدوية، من بينها الطبخ والإحراق والإجماد والتبريد والتشوية والتحميص، والمجاورة؛ أي: بوضع الدواء إلى جوار آخر، والغربلة أو النخل([5]).
ولم يقتصر الأمر عند ذلك، بل كان للعرب الفضل الأكبر في ابتكار طرق جديدة لم تكن معروفة لتحضير الأدوية؛ كطريقة الغسل والتصويل والتصعيد والاستنزال والتكليس والتلغيم؛ أي: مزج المعادن بالزئبق تمهيدًا لعمليتي التكليس والتصعيد والتصدية والتشميع والتبلور([6]).
ولقد أشار ابن سينا والزهراوي وداود وغيرهم من الأطباء والصيادلة العرب إلى هذة العمليات التي سنورد بعض التفاصيل عنها.
عملية الطبخ
من الأدوية ما هو كثيف الجرم، فلا ترسل قواها في الطبخ إلا بفضل تعنيف عليها بالطبخ، مثل أصل الكبد والزرنياد والرواند، ومنها أدوية معتدلة يكفيها الطبخ المعتدل، فإن عُنِّفَ بها تحَلَّلَتْ قواها وتصعدت، مثل البذور المدرة للبول([7]).
لوحة رقم (1).
عملية السحق
من الأدوية ما يبطل السحق قوته تمامًا، مثل السقمونيا، فيجب أن يسحق برفق تام، وجميع الأدوية التي يفرط في سحقها فإن أفعالها تبطل، ويتم سحق الأدوية في الهاونات أو المهراس.
الإحـــــــــــــــراق
من الادوية ما يحرق لإنْقَاص قوته، ومنها ما يُحْرَق لتزداد، فالدواء يحرق إما لكسر حدته أو زيادتها أو لتلطيف جوهره الكثيف، وإما لتهيئته للسحق، وإما لإبطال رداءة في جوهره.
الغسل (التصويل)
وهي من الطرق الجديدة التي أدخلها صيادلة العرب في تحضير الأدوية، والغسل يسلب كل دواء ما يخالطه من الجوهر الحاد اللطيف، ويسكن منه ويعدل.
الجمــــــــــــود
وأما الجمود؛ فإن كل دواء جمد فالقوة اللطيفة فيه تظلّ وتزداد بردًا إن كان بارد الجوهر.
التنقية والتنظيف
ولهذه الطريقة وسائل مختلفة، منها الغربلة أو النَّخل لتنظيف العقاقير من الشوائب.
التقطير
وتتم هذه الطريقة بواسطة القرعة والإنبيق، وجميع ما يقطر في القابلة Distillation ([8]).
التصعيد ( Sublimliom )
ويتم بواسطة استعمال الأثال، وكان الكيميائيون الصيادلة يعتبرون الأثال أهم آلاتهم، وهناك طرق أبسط للتصعيد تسمى التخنيق أو الترخيم، وفي هذه الطريقة يتم وضع المادة كما هي أو مصحوبة بزيت في قارورة، وتُسَخَّن على نار هادئة لإزالة الرطوبة أو الزيوت، وتسد القارورة، وتُسَخَّن بشدة حتى تصعد المادة وتتجمع في عنق القارورة.
التكليس Calculation : تشبه هذه العملية عملية التشوية.
التشميع Celation : وهي إضافة بعض المواد للمادة المذكورة حتى تصبح سهلة الذوبان([9]).
الآلات والأدوات المستخدمة في تحضير الأدوية وحفظها
هذه الأدوات نوعان نوع لتذويب وصهر الأجساد وآخر لتدبير العقاقير:
- أدوات سحق الأدوية وهرسها
- طاحونة الأدوية
وهي آلة الطحن، جمعها طواحين، وهي تجعل الحب دقيقًا.
- المهراس : هرس الشيء: دقُّه، والمهراس: أداة الهرس، ومنه الهاون، وقد ورد وصفه في المؤلفات الصيدلانية بعدة أوصاف، فهناك مهراس حجر ومهراس نحاس ومهراس صغير، كما ورد وصف الهاون: هاون حجر، وهاون خشب، وهاون نحاس.
- الصلاية : وهو مدق الطيب، وهو الهاون الذي تصحن فيه الأدوية.
أدوات تنظيف وتنقية نباتات العقاقير، ومنها
- الغربال : أداة تشبه الدف ذات ثقوب، ينقى بها الحبُّ من الشوائب.
- أجاب : وهي أناء تغسل فيه الأشياء وقد يكون بأوصاف متنوعة.
لقد وصل الأمر بالأطباء والصيادلة المسلمين إلى توضيح المواد الخام المفضلة والأنسب لصناعة الأواني والأدوات الصيدلانية.
وأدرك أطباء وصيادلة المسلمين في العصر الإسلامي -وخاصة ابن سينا والمجوسي والزهراوي والرازي والأنطاكي- أثَرَ الهواء والبرودة والرطوبة والرياح وأشعة الشمس على المركبات الدوائية؛ لذا عمل الصيادلة المسلمون لحفظ المادة الطبية داخل غطاء من سباط النخل وسعفه المجدول لكسوة بدن الآنية، كما قاموا بعمل غطاء من القماش لحفظ بعض الأواني. لوحة رقم (2).
كما قام صيادلة المسلمين بإحكام غلق الأواني الصيدلانية بالسدادات، ولقد أورد الغافقي في كتابه إشارات متعددة عن غلق الأواني الصيدلانية، فعندما تحدث عن الزئبق يذكر أنه يجب أن يستوثق من فوهتها، وأشار في بعض المواضع إلى التغطية بغطاء من النحاس.
ولقد اختلفت أشكال وأحجام الأواني المستخدمة في حفظ وإعداد الأدوية، وكان للمركبات والمستحضرات الدوائية أثرها الكبير في تعدد أشكال الأواني الصيدلانية؛ كالأدهان والمعاجين والمراهم، وهي سميكة القوام وجب أن تحفظ في أوانٍ قصيرة واسعة الفوهة قصيرة الرقبة، أما الأشربة فهي سائلة، فأوانيها يلزم أن تكون فوهتها ضيقة حتى لا تنسكب المادة الطبية بسهولة. أما المركبات الدوائية الطيارة مثل ماء الورد والعطور والزيوت العطرية فقد لزم أن تكون الأواني المحفوظة بها ذات فوهة ضيقة ورقبة طويلة([10]) لوحة رقم (3).
أدوات طبخ الأدوية
- الأتون : وهو الموقد الكبير.
- البوتقة : وهي أيضًا بودقة وبوتقة Gtucible.
- القدر : إناء يُطْبَخ فيه، والقِدْر الكاتمة وعاء للطبخ محْكَم الغطاء لإنْضَاج الطعام في أقصر مدة، وذلك بكتم البخار، وجمعها قدور.
- المنفخة : ما ينفخ به، وتستخدم في الصيدلة لِنَفْخِ بعض الأدوية في الأنف والأذن([11]).
ومن هذه الأدوات أيضًا مبرد أو ماسك وملعقة للتقليب، أو قالب.
ومن الأدوات التي تستخدم في إعداد الأدوية: الإنبيق الأعمى والسكرجة والقابل والقارورة والقنينة والمقلاة والمستوقد والنافخ نفسه، والميزان للوزن وتقدير الثقل النوعي، وكذلك لتقدير غش المعادن([12]). لوحة رقم (9).
- الأوزان والمكاييل هي أحدى العقبات التي واجهت الصيدلاني المسلم؛ حيث واجهته في النقل والترجمة عن اليونانيين عقبة اختلاف المقاييس التي تُضْبَط في ضوئها أوزان المركبات الدوائية، فقد كان لليونان أوزانهم، وكذلك للفرس والهنود، فكان من الصعب عند تحضير الأدوية والوصفات تقدير وضبط الأوزان والمكاييل المستخدمة فيها، وإن عُرِفَ بعْضُهَا فقلما يضبط، لذا كان من الضروري العمل بمقاييس معلومة لديهم، واستطاع الصيادلة المسلمون بعد تجارب ومران أن يتجاوزوا هذا الأمر بعدة أمور منها: لوحة رقم (4)
- تجاهل بعض الأوزان والمكاييل الدخيلة.
- إدخال أوزان ومكاييل محلية، وتبسيط النسب الموجودة بين المكاييل والموازين المحلية، ودرجوا على استخدام الحبوب التي تمثل الواحدة منها وزنًا معلومًا، مثل حبة الحمص والخروب والقمح، وهي الوحدة الصغرى للأوزان([13]).
إذن فإن علماء المسلمين لم يحضروا الأدوية ومزجها اعتباطًا، وإنما كانت بمقادير ونسب معينة ورثوا بعضها عن اليونان والرومان، وأدخلوا عليها تغييرات وتحسينات جعلتها بمثابة ابتكارات تثير الإعجاب بالدقة في أوزانها([14]).
- ولقد حفظت لنا الموسوعات الطبية والصيدلانية الأوزان والمكاييل المستخدمة في إعداد الأدوية، ولقد أشار الزهراوي في المقالة التاسعة والعشرين من كتابه «التصريف» إلى الأكيال والأوزان الموجودة في كتب الأطباء([15]) باختلاف لغاتهم وأنواع هذه المكاييل والأوزان ومقارنتها بسواها ومقاديرها، وكيفية استخدامها، كما أشار على بن عباس المجوسي في كتاب كامل الصناعة الطبية في الباب الثاني إلى ذكر القوانين والدساتير التي يعمل عليها في أوزان الأدوية التي يجعل منها الدواء المركب([16]).
وكان للدولة إشراف كامل على المكاييل والأوزان والأدوات العيارية المستخدمة في وزن وتقدير الأدوية، ووصلت دقة الإشراف إلى أن خصصوا لكل مفرد دواني، مثل البقس والجلجلان والهن وحنا المر وغيرها مكيلة خاصة بكل منها، حيث تضمنت المكيلة اسم هذا العقار المستخدم لعياره، كما سجلوا على المكيلة سعر هذا المقدار من هذا العقار([17]).
- الأوزان والمكاييل المستخدمة في تقدير العناصر الداخلة في تركيب الأدوية كما ذكرها ابن سينا وكوهين العطار.
أشار ابن سينا وكوهين العطار إلى الأوزان والمكاييل المستخدمة في صناعة الدواء في العصر الإسلامي ومنها:
- استار = وزنه أربعة مثاقيل = 6 دراهم و2 دانق.
- أوقية = 6 مثقال = أونسس.
- المن الرومي = وزن 20 أوقية.
- المن المصري = وزن 4 استار.
- الغوطلي = 7 أواق = القطويلي.
- الدرخمي = مثقال واحد = 6 أبولاق.
- أوبولوا = دانق ونصف.
- الميطرون الكبير = 3 أواق.
- لانطاليقي = نصف رطل = 16 أوقية.
- باقلاة = ثلث مثقال.
- باقلاة مصرية = – مثال = 12 قيراط.
- باقلاة إسكندرانية = نصف مثال = قراريط.
- باقلاة رومية = شامونا = 2.5 جرام = 5 دراهم + 1 دانق.
- البندق = 1 مقال = 1 درخمية.
- تمرة = 5 و1 مثقال .
- الجوزة = 7 مثاقيل = 14 شامونا .
- حبة = ربع قيراط = 0.2 جم .
- درخمية = 6 أوبلات = 1 مثال.
- دانق = – درهم عن اليوانيين ربع درهم = 3 قراريط = 0.5 جم.
- درهم = 5 دانق = 3.0 جم([18]).
- الرطل = 12 أوقية والبغدادي 130 درهمًا.
- الدورق = 2 رطل بالبغدادي.
- سكرجة = 6 وربع أساتير.
- سطل = استارات.
- صدفة كبيرة = 14 شامونا.
- صدفة صغيرة = 7 شامونات.
- صاع = 10 أقساط.
- غرام = ربع درهم + دانق.
- قسط = 3 أرطال وعند بعضهم = 20 أوقية.
- قييراط = 4 شعيرات.
- قرطوبي = 9 أواق.
- قراش = 1.5 أوقية.
- قرانوش = 3 أواق.
- مان = 100 جرام.
- ملعقة كبيرة = 4 مثاقيل.
- ملعقة = 1.5 رطل وبالبغدادي والمصري.
- مثال = 7/10 درهما = 4.4 جم = 20 قيراط.
- نيطل أو ناطل = 12 مثال = 1.5 أوقية = – 15 درهمًا([19]).
لوحات أرقام (11، 12، 13).
الأدوية المفردة والمركبة عند المسلمين
عنيت المصنفات الطبية في التراث الإسلامي بالأدوية من حيث درجاتها ومنافعها ومضارها وأنواعها؛ من مفردة ومركبة، ومن حيث خضائصها العلاجية، وقد أشار إلى ذلك الفيلسوف الطبيب ابن سينا في أرجوزته الشهيرة فقال: (إن الأصل في العلاج هو الأدوية المفردة، فإن لم تكن ناجعة لجأنا إلى الأدوية المركبة، وضمَّنَ ذلك في الأبيات الآتية:
وأصل ما يُسْقَى الدواء مُفْرَدَا | حتى تَرَى أفعاله في كُلِّ دَا | |
وإنما دعا إلى المركبِ | ما أنا ذاكر له من سببِ | |
تركي لأمراض وإصلاح دَوَاءْ | وما تحليه به مِنَ الغِذَاءْ | |
وما يُعِينُ الشيء بالتنفيذِ | إن كَان عاجزًا عن النفوذِ | |
وأنت إنْ عَمِلْتَ بالمُرَكَّبِ | أولى فبالدستور فَلْتُرَكِّبِ | |
خذ شربة من كل شيء مسهِلِ | وعدها فإنها لا تُهْملِ | |
وامزجْ بِهَا ما شئت من حِجَابِ | وجَمِّعِ الأَوْزَانَ بالحِسَابِ | |
فما أتى لشربةٍ مِنْ عِدَّهْ | فأسْقِه أو اقْتَنِهْ لعُدَّهْ([20]) |
الأدوية المفردة هي التي يكون مفعولها تابعًا لإحدى الصفات الأربعة: الحار، والبارد، والرطب، واليابس، ويقصد بالأدوية المفردة: العقاقير المستخلصة من الحيوان أو النبات أو المعدن([21]). وفي هذا المعنى أورد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه (مفاتيح العلوم) أن الأدوية المفردة إما نباتية وهي ثمر أو بذور أو زهر أو ورق وقضبان أو أصول أو قشور وعصارات أو ألبان أو صموغ، وإما معدنية وهي حجرية، أو مما ينبع مثل القار، وإما حيوانية كالزراريج، وأعضاء الحيوانات وأحشائها ومرارتها([22]).
مَا كان تغيير له مَعْقُولَا | فذاك مِنْ دَرَجة في الأولى | |
وكان ما تغييره يحسُّ | وليس بالشديد إذ يُحَسُّ | |
فذا شَهَادَةٌ عَلَيْهِ وَافِيَهْ | بأنَّهُ مِنَ درَجٍ في الثَّانيهْ | |
وكُلُّ مَا تَغْيِيرُهُ شَدِيدُ | لكنما إفْسَادُهُ بَعِيدُ | |
وليس بالمُفْسِدِ في ممتزجِهْ | فإنه في ثالثٍ مِنْ دَرَجِهْ | |
وَكُلُّ مَا يُفْسِدُ مَا يُغَيِّرُ | من شِدَّة تُحْرِق أو تُخَدِّرُ | |
فَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَقُولَ مِنْ حَرَجْ | بأنَّهُ فِي رَابِعٍ مِنَ الدَّرَجْ([23]) |
ومن الأدوية المفردة: أدوية ملطفة، وأدوية مخشنة، وأدوية مرخية، وأدوية هاضمة، وأدوية كاسرة، وأدوية مقوية، والأدوية المخدرة، والأدوية المسهلة، والأدوية المحرقة، والأدوية الخاتمة، والأدوية المدرة، والأدوية الترياقية، والأدوية المقيئة وغيرها.
وكان أطباء المغرب والأندلس يفضلون استعمال الأدوية المفردة على المركبة، كما عرفت عامة الناس بالتجربة استطباب هذه الأدوية وطريقة تحضيرها([24]).
أشهر المؤلفات العربية في الأدوية المفردة
ألف الأطباء والصيادلة المسلمون الكثير من المخطوطات الطبية في الأدوية المفردة، ولكننا في هذا المجال سنورد بعضًا من أشهر هذه المخطوطات التي ألقت الضوء على الأدوية المفردة، ومن هذه المخطوطات.
الأدوية المفردة، وهو مخطوط لأبي بكر بن سمجون، وهي إحدى المخطوطات المصورة بقسم التراث العربي بالكويت، ويعود تاريخها الى عام 400 هـ ([25]).
الأدوية المفردة: لأبي جعفر أحمد بن محمد، المعروف بأبي الأشعت، وهي إحدى المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية.
الأدوية المفردة: لابن أبي الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي، وهي إحدى المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية.
الأدوية المفردة في النبات: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن السيد الغافقي.
الأدوية المفردة التي يفعل بخواصها في السموم: ليعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي، وهي إحدى المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية([26]).
وهناك كتاب الأدوية المفردة للوزير أبي المطرف عبد الرحمن بن وافد اللخمي المتوفي سنة 466هـ 1074م([27]).
وكتاب ابن البيطار: المغني في الأدوية المفردة الذي شرح فيه العقاقير الأكثر شيوعًا في زمانه([28]).
الأدوية المركبة
الأدوية المركبة هي التي يجاوز مفعولها الصفة الواحدة والدواء المركب وهو ما يطلق عليه الأقراباذين، وتنقسم الأدوية المركبة أيضًا تبعًا لخواصها إلى حارة وباردة ورطبة ويابسة، وهذا يطابق أقسام الحرارة في جسم الإنسان([29]).
إذن فالدواء المركب هو كُلّ دواء يتألف من خليط أو مزيج من أكثر من مفرد دوائي واحد، وكان من أهم الأسباب التي ألجأت إلى تأليف الأدوية المركبة وما يَحْكُمُ تركيب هذه الأدوية عند العرب: ما جاء ذكره في مؤلفات ابن سينا، وما أورد المجوسي وداود وغيرهم؛ إذ لم يوجد لكل علة -خصوصًا المركبة- دوَاءٌ مقابل من المفردات بخلط اثنين أو أكثر من المفردات لتقابل في مجموع مفعولها علة المريض. إذا كان الدواء المختار أقل في مفعوله من المطلوب يُضَافُ إليه مفرد أو أكثر لتقويته. إذا كان الدواء المختار أقوى من المطلوب يضاف إليه مفرد يضعف قوته. إذا كان الدواء المراد بالغًا فيما يراد له ولكنه ضار، يُخْلَط به ما يكسر ضرره.
إذا كان الدواء كريه الطعم فلا يحتمله المريض يخلط به ما يصلح طعمه([30]).
وهذا ما توصل إليه صيادلة العرب؛ حيث إنهم نجحوا في تخفيف وطأة ومذاق بعض الأدوية والعقاقير، عن طريق مزجها بعصير الليمون والبرتقال والقرنفل وغيره([31])، واذا دعت الحاجة إلى أفعال متعددة من الدواء تخلط المفردات التي تؤدي ذلك، وفي حالة بقاء الدواء زمنًا طويلًا بحيث لا يفسد ويحتفظ بقوته تخلط بما يفعل ذلك([32]).
وكان أغلب الصيادلة والأطباء المسلمين قد أوصوا بعدم اللجوء إلى الأدوية المركبة، إلا في حالة الضرورة القصوى، وإن حدث واستخدم الدواء المركب فلا يستخدم بكثرة، وإنما تقتصر على استخدام مواد قليلة تدخل في التركيب.
كيفية صنع (عمل) الأدوية المركبة
أجمعت كتب الصيدلة في العصر الإسلامي على اتباع عدة خطوات لعمل الأدوية المركبة، منها:
- أن تختار الأدوية المفردة وتستجيدها، ولا تستعمل منها إلا أفضلها وأخيرها.
- أن تتعهد الأدوية بأن لا يخالطها شيء غيرها لا من تراب وغبار وعفن، وتغسل وتصول.
- في حالة الأدوية اليابسة مثل الحشائش والبذور والثمر وغير ذلك مما يحتاج فيه للدق والسحق، وينبغي أن تطحن طحنًا دقيقًا، فإنه أجود ما عمل بها، وإن لم يكن فتُرَبَّى بالماء بدقها في هاون دقًّا ناعمًا، ثم نخلها بمنخل من الحرير، ويُعَادُ دقّها ونخلها ثانية، ثم تعاد إلى الهاون، وتُسْحق سحقًا جيدًا حتى تصير مثل الغبار، وكلما كان سحق الأدوية أنعم كانت استحالتها في المعدة والكبد أسرع.
ينبغي أن يسحق كل واحد من أصناف الأدوية مفردًا، ففي البذور مثلًا تحمص في الخزف والأحجار بأن يحمى الإناء وينزل، وتقلب فيه البذور، لا أن توضع على النار ثم تسحق.
- يؤخذ من كل من الأصناف الوزن الموصوف، وتخلط جميعًا خلطًا جيدًا، ثم يحرر المخلوط (أي: يُنْخَل في منخل من الحرير)([33]).
في حالة الصموغ فإذا كان في الدواء شراب أو غيره من العصارات أو الماء، ينبغي أن تنقع الصموغ بالشراب وبالعصارة حتى تنخل، ثم تسحق في الهاون حتى تستوي أجزائها.
إذا كان الدواء معجونًا بالعسل فيؤخذ لكل واحد من الأدوية المدقوقة من العسل بعد رفع الرغوة منه ثلاثة أمثال، إن كان الزمان شتاء ومثلاه ونصف مثله إن كان الزمان صيفًا، ثم يلقى العسل على الصموغ المحلولة بالشراب، ويُضْرَب حتى يستوي، ثم يُدَرّ عليه الأدوية المسحوقة، ويُضْرَب حتى يستوي، ومثلها في حالة الترياق.
أما في حالة عمل الأقراص فلا بد من أن يُلْقَى الدواء المسحوق في الهاون، ويُصَب عليه الماء والشراب وغيره مما يحتاج أن يعجن به قليلًا قليلا، ويدق جيدًا حتى يلتئم، ويمكن أن يصنع منه أقراص ثم يقرص على قَدْر ما يحتاج إليه، ثم تجفف في الظِّلّ، وفي حالة عمل الحبوب فإن كان فيه شيء من الصموغ أن تُحَلّ بالعصارة أو بالماء الحار، وتُسْحَق في الهاون جيدًا، ثم تلقى عليه الأدوية اليابسة المسحوقة، ويُدَق جيدًا، ثم
يحبب على مقدار ما يحتاج إليه ويجفف في الظل([34])