هو أبو مروان عبدالله بن أبي العلاء زهر بن أبي مروان عبدالملك بن محمد بن مروان بن زهر، لحق بأبيه في صناعة الطب، وكان جيد الاستقصاء في الأدوية المفردة والمركبة، حسن المعالجة، ذاع صيته في الأندلس وفي غيرها من البلاد، واشتغل الأطباء بمصنفاته، ولم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب([1]).
لقد نشأ ابن زهر في بيت علم، وكان والده وجده طبيبين، ويبدو أن والده وجد فيه علامات الذكاء، فأخذ يشوقه إلى دراسة الطب، وإذا بصاحبنا يبزغ فيه حتى أصبح فيه أشد مهارة من والده، وكان الوالد والابن طبيبين في قصر عبدالمؤمن حاكم إشبيلية، ومجمل دليل تفوقه أن حاكم إشبيلية احتاج إلى علاج فوصف له الطبيب الوالد دواء، غير أن ابنه أبو مروان ابن زهر رأى أنه دواء غير صالح، مما جعل عبد المؤمن في حيرة من أمره، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، إن الصواب في قوله، فلما تناوله عبدالمؤمن انتفع به وشفي عليه([2]).
ومما يؤكد مهارة ابن زهر وخبرته بالأدوية والعلاج ما أورده ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء: «ذكر أن الخليفة عبدالمؤمن احتاج إلى شراب دواء مسهل، وكان يكره شرب الأدوية المسهلة، فتلطف له ابن زهر في ذلك، وأتى إلى كرمة من بستانه، فجعل الماء الذى يسقيها به ماء قد أكسبه قوة أدوية مسهلة، ينقعها فيه، أو يغليانها معًا، ولما تشربت الكرمة قوة الأدوية المسهلة التى أرادها، وطلع فيها العنب وله تلك القوة، مرض الخليفة، فأتاه بعنقود منها، وأشار عليه أن يأكل منه، وكان حسن الاعتقاد في ابن زهر، فلما أكل منه وهو ينظر إليه، قال له: يكفيك يا أمير المؤمنين، فإنك قد أكلت عشر حبات من العنب، وهي تخدمك عشر مجالس، فاستخبره عن علة ذلك وعرفه به، ثم قام على عدد ما ذكره له ووجد الراحة، فاستحسن منه فعله هذا وتزايدت منزلته عنده»([3]).
وأشهر مؤلفات ابن زهر «كتاب التيسير في المداواة والتدبير» وهو مرتب في بابين، الأول في الأمراض المختصة بكل عضو في الجسم، وفي حفظ الصحة، والثاني فيما يحدث في جسم الإنسان عمومًا من العلل والأمراض، وقد وصف ما يلائمها من الأشربة والأدهان والمعاجين، ومع هذا الجزء ملحق صغير سماه الجامع([4]).
ولقد ناقش في كتابه قانون ابن سينا والكتاب الملكي للمجوسي، وقد مال في كتابه إلى الاقتصاد والوضوح، وعالج فيه الأمراض الباطنية، ويقال: إن أبي زهر قد ألف كتابه للقاضي ابن رشد، ليكون متممًا لكتاب ابن رشد الكليات في الطب، وانتهى في أواسط القرن 6هـ/12 م، ويوجد منه في المكتبة الوطنية بباريس مخطوط، وما يهمنا من كتاب ابن زهر ما ورد فيه من الأدوية والعقاقير وما يخص علم الصيدلة، فقد ألحق ابن زهر بكتابه مقالة أطلق عليها اسم «الجامع في الأشربة والمعجونات».
والجامع عبارة عن مجموعة كبيرة من وصفات الأدوية، والترياقات التى كان ابن زهر يشير باستعمالها مع طريقة تركيبها، ربما أن ابن زهر قد ألف الجامع بعد إتمام كتاب التيسير، فربما كان بطلب من ابن رشد وأن من المؤرخين من يميل إلى عد الجامع كتابًا مستقلًّا، لا سيما وأن من نسخه ما كتب مفصلًا عن كتاب التيسير، وتوجد من «الجامع في الأشربة والمعجونات» مخطوطة في المكتبة الوطنية في جوثا بألمانيا الشرقية، وهي النسخة التى كتب الناسخ في آخرها «كمل الجامع من كتاب التيسير في المداواة والتدبير» كما توجد نسخة أخرى من الجامع في مكتبة بودلي، بأكسفورد بانجلترا، وأخرى في المتحف البريطاني في مدينة لندن([5]). إن كتاب التيسير كتب بأسلوب علمي تعليمي من الدرجة الأولى، وهو ثري بمصطلحاته العلمية المختارة بدقة، والتى تدل على سعة الاطلاع وعمق الخبرة العلمية([6]).
ولقد أورد ابن زهر في الجامع الملحق بكتاب التيسير وصايا في تركيب الأدوية واستعمالها وبعض الوصفات الطبية، وخاصة وصفات الأدوية المركبة، والتى بلغ عددها اثنين وخمسين، وفيها بيان تحضير الأشربة والمراهم والمعاجين([7]).
ولقد نال كتاب التيسير لابن زهر شهرة واسعة؛ حيث ترجم إلى العبرية على يد صموئيل بن سليمان، وقيل: إن الكتاب ترجم إلى العبرية في إيطاليا عام 1260م أي: بعد وفاة ابن زهر بمائة عام. وفي عصر الطباعة طبعت بعض ترجمات التيسير اللاتينية سنة 1490م ثم في سنة 1544م، وصدرت له طبعات أخرى عديدة([8]).
ومن مؤلفات ابن زهر الأخرى كتاب الأغذية، وهو ليس بالموجز المخل ولا الطويل الممل، ويشتمل الكتاب على الأدوية التي يمكن أن يجدها المرء بسهولة ويسر في أكثر الأقطار، ثم ينتقل إلى دراسة الأغذية حسب الفصول، وتحدث عن أنواع الخبز المصنوعة من الحبوب ومن طحين الحمص والفول والفاصوليا والعدس، ثم أنواع الأغذية من لحوم وحليب ومشتقاته والسمك والعسل والسكر والمشروبات والزيوت والأشربة، وهو كتاب يشمل على مبادئ الصحة العامة([9]).
وذكر ابن أبي أصيبعة «أنه ألف كتاب الأغذية لأبي محمد بن عبدالمؤمن بن علي، وله كتاب الزينة، وكتاب التذكرة الذي صنفه إلى ولده أبي بكر في أمر الدواء المسهل وكيفية أخذه».
لقد كان ابن زهر صيدليًّا بارعًا، وكان يحضر الدواء والشراب لمرضاه من بذور النباتات بعد طحنها وغليها، ثم يقوم بتوليفها ومعايرتها، وكان ملمًّا بأوزانها ومفرداتها، ومما سهل له عمله الصيدلي أنه كان ملمًّا بأنواع الأعشاب الطبية والعقاقير التى كانت ترد إلى بلده إشبيلية من الهند والصين واليونان، وكان يجيد قراءة أسمائها بالعربية والسريانية واليونانية([10]).