هو يوسف أبو يونس بن إسحاق بن بكلارش، كان يهوديًّا من أكابر علماء الأندلس في صناعة الطب، وله خبرة واعتناء بالغ بالأدوية المفردة، وخدم بصناعة الطب بني هود([1]).
أما اسمه بكلارش فقد ورد في أشكال مختلفة، فتكتب أحيانًا بكسر الباء وأحيانًا بفتحها، ولكنه في أكثر الأحيان يكتب بضمها، وتختلف الآراء في أصل التسمية فمن الناس من يظن أن اسم بكلارش بمعنى راوية، ومنهم من يقول إنها منسوبة إلى بكلارو وهو اسم مكان، وربما أنها تحريف للكلمة اللاتينية goculatis، وهو مختصر أبو كلارش، وهو اسم عائلي أو لقب لابن بكلارش، وهو اسم عائلي عند الإسبان، ما زال موجودا حتى اليوم([2]).
ومن أشهر مؤلفات ابن بكلارش كتابه (المجدول في الأدوية المفردة) ووضعه مجدولًا، ألفه بمدينة المرية للمستعين بالله أبي جعفر بن عبد المؤمن بالله بن هود([3]).
وقد ألف ابن بكلارش إضافة إلى كتابه المستعين كتابًا آخر عنوانه (رسالة التبيين والترتيب) لا يزال مفقودًا، ولا توجد منه أي نسخة، وقد رتب المؤلف في هذه الرسالة التي يذكرها في كتابه المستعين الأغذية، وتكلم فيها عن القوى الأربعة الحدية والحاصرة والهاضمة والرافعة، وأفعالها بأعضاء البدن المختلفة.
أما فيما يخص نسخ المستعين المخطوطة الموجودة الآن فهي قليلة ولا يعرف منها إلا ثلاث في المكتبات الأوربية ونسخة أخرى في الخزانة العامة في الرباط.
أما نسخة المخطوط المحفوظة في المكتبة الوطنية في مدريد فهي نسخة قديمة مكتوبة في مدينة طليطلة في القرن 12 م أو 13م، وهوامشها مليئة بالملاحظات المكتوبة باللغات الإسبانية والعربية والعبرية، ويتكون المخطوط من 140 صفحة، مكتوبة بخط مغربي، جميل، ويتألف الكتاب المستعين من قسمين: مقدمة طويلة، حوت نظريات جالينوس، وقائمة تحتوي على أكثر من 750 مادة طبية نباتية وحيوانية وجمادية، وبعد المقدمة نجد في كل صفحة جدولًا يحتوي على ستة أدوية مفردة، والنص العربي ينقسم إلى خمسة أعمدة، وهي:
- أسماء الأدوية المفردة.
- الطباع والدرج.
- تفسيرها في اللغات المختلفة.
- الإبدال منها.
- منافعها وخواصها ووجوه استعمالها.
وعن الشكل المجدول الذي اتبعه ابن بكلارش في كتابه يقول: «وسلكت فيه طريقة المتقدمين الذين ذكروا أن التأليف لا يتم حتى يتضمن ثلاث خصال، إحداها جمع ما افترق، والثانية اختصار مطول، والثالثة إيضاح مشكل، وكتابي هذا قد جمع الخصال الثلاث، وذلك أني لم أر قط كتابًا لمن تقدم قبلي من كتب الأدوية المفردة جمع ما جمعتُه في هذا الكتاب».
النسخة المحفوظة من المخطوط في الخزانة العامة في الرباط نسخة جميلة في حالة جيدة، وهي أحدث من النسخ السابقة، فهي ترجع إلى عام 1309 هـ، 1891م نسخها محمد الفاطمي بن الحسين، تتضمن ما سبق ذكره في المحفوظات والنسخ السابق الإشارة إليها.
إن الكتاب المستعيني لابن بكلارش إذن يُمثل أولَ تطبيق لطريقة الجداول في المغرب العربي وفي تأليف طبي؛ تقليدًا لما كان قد حاول في الشرق ابن بطلان في كتابه «تقويم الأبدان»، وابن جزلة في كتابه «تقويم الأبدان».
أهمية الكتاب المستعيني
تتركز أهمية الكتاب المستعيني في جانبين: الجانب العلمي، والجانب اللغوي؛ فمن الناحية العلمية فإن الكتاب المستعيني هو كتاب مهم جدًّا؛ لأن المؤلف يقدم معلومات عن العديد من الأدوية المفردة، ومن الناحية اللغوية فإنه يجمع مترادفات أسماء الأدوية المفردة، في بعض اللغات الأجنبية.
- تحليل مضمون كتاب المستعيني.
- المقدمة مقدمة الكتاب طويلة مشبعة بأفكار جالينوس.
وينقسم الكتاب بعد المقدمة إلى أربعة أجزاء كالآتي
الجزء الأول : في تعريف قوى الأدوية المفردة.
وذكر فيه المؤلف وجوه معرفة هذه القوى، سواء بطعومها أو روائحها أو بتأثيرها على البدن.
بعد ذلك يدرس المؤلف امتصاص الأدوية، ثم يذكر أمثلة الأدوية مسخنة ومبردة في الدرجات الأربع.
أما الجزء الثاني من الكتاب فتحدث عن طبائع المركبات، وكيف ينبغي أن تركب، وما ينبغي لمن أراد تركيبها أن يقدم، والحاجة إلى تركيبها، وعرف ابن بكلارش في هذا الجزء الاعتدال، يعرف المرض والأخلاط المركبة، ثم القول في تعديل المفعول الضار لبعض الأدوية، كذلك أشار ابن بكلارش إلى قوى الأدوية المسهلة على رأي جالينوس، والقول في العلة التي دعت الأوائل إلى إبدال العقاقير، وكيف بلغوا معرفة ذلك، والفرق بين الطبائع وخواص الأدوية، وتحدث عن أنواع الأدوية المفردة على اختلاف أنواعها، فمنها الأدوية محمرة للشعر، وأدوية لطيفة، وأدوية تولد المني، وأدوية منبتة لشعر الحاجبين، وأدوية ملينة، وأدوية غليظة، وغيرها.
ولقد اهتم الأوربيون بكتاب المستعيني لابن بكلارش، وعكفوا على دراسته، ففي سنة 1930م نشر المستشرق الفرنسي رينو دراسة لكتاب ابن بكلارش قدم فيها وصفًا وتحليلًا للكتاب حسب مخطوط الرباط.
كذلك درسه المستشرق الإسباني سيمونيث والهولندي رينهارت دوزي، وذلك لأهمية الكتاب كأول كتاب مجدول في الأدوية المفردة في الأندلس([4]).