هو يحيي بن عيسى بن علي بن جزلة، وكان في أيام المقتدي بالله، كان من المشهورين في علم الطب وعمله وهو تلميذ أبي الحسن سعيد بن هبة الله، وكان نصرانيًّا ثم أسلم، وألف رسالة في الرد على النصاري([1]). وكان ابن جزلة عالمًا بالأدوية ومركباتها، وكان يعالج أهل مدينته وجيرانه بغير أجر مروءة واحتسابًا بالله، ويعتبر ابن جزلة من أعظم أطباء الأطفال([2])، ومن أشهر مؤلفات ابن جزلة في مجال الصيدلة والمادة الطبية كتاب (منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان)، ولقد اشتهر هذا الكتاب بدرجة كبيرة في العالم الإسلامي([3]).
ولقد ضمن ابن جزلة هذا الكتاب ذكر جميع الأدوية والأشربة والأغذية، وكل مركب من ذلك أو بسيط أو مفرد أو خليط، وأشار بعد ذلك إلى اسم الدواء أو الشراب، وطريقته في هذا الكتاب أنه وجد من سبقوه من الأطباء والعلماء إما ذاكرون للأدوية دون الأغذية أو الأغذية دون الأدوية، أو ذاكرون لهما ولكنه مخل بذكر كل شيء في بابه، فبدأ في هذا الكتاب يجمع كل ما يروق له من الآراء، ويذكر الأسماء، ويسمي الغذاء أو الدواء أو الشراب ثم يصفه وصفًا دقيقًا ويعرِّفُه تعريفًا علميًا، ثم يوضح طبيعته وخواصه، وكيفية استحضار الأدوية والعقار منه، ويورد ما يراه مفيدًا من أقوال جالينوس وديسقوريدس وأقوال علي المجوسي، وابن عبدون وينسب القول إلى قائله، وفي هذا الكتاب الكثير من البحوث الكيميائية النافعة لعلم الطب والبحوث الصيدلانية المفيدة للعلاج، وبحوث في طهو الطعام([4])، ومن مؤلفات ابن جزلة أيضًا كتاب الإشارة في تلخيص العبارة وما يستعمل من القوانين الطبية في تدبير الصحة وحفظ البدن، لخصه من كتاب تقويم الأبدان([5]).
وكان لابن جزلة مذهب لطيف في علاج الأمزجة الفاسدة بالاستماع إلى الموسيقى؛ لأنه كان يرى أن الموسيقي تساعد على علاج المريض وشفائه، وفي ذلك يقول: «الموسيقى من الأدوات النافعة لحفظ الصحة وردّها، وتختلف بحسب اختلاف طبائع الأمم، وقديمًا وُصِفَتْ هَذِه الصناعة لحث النفوس على السنن الصحية، استعملها الأطباء في شفاء الأبدان المريضة، فموقع الألحان من النفوس السقيمة موقع الأدوية من الأبدان المريضة، وأفعاله في النفوس ظاهرة» ويعتبر ابن جزلة من أحسن الخبراء الذين كتبوا في كيفية طهو الأطعمة([6]).