المحتوي
الحضارة الاسلامية من الحضارات الانسانية التى كان شغلها الشاغل هو الارتقاء بالإنسان والعمل من أجله وتوفير سبل الراحة له حتى ولو كان هذا الانسان ليس على ملة الاسلام فيكفى أنه انسان يعيش بين المسلمين فتوفر له الحرية والأمن والسلام لان الاسلام دين السلام ولقد عمل المسلمين على توفير مياه الشرب فى الشوارع والطرقات المختلفة حتى يستطيع المارة الحصول على المياه بسهولة فشيد المسلمون الاسبلة وهى منشآت معمارية على جانب كبير من الجمال المعمارى والزخرفى وتزخر مدينة القاهرة بالكثير منها كما شيد المسلمون الكثير من أحواض سقى الدواب أيضا لتوفير المياه ليس للانسان فقط ولكن للحيوان أيضا
ومن المنشآت الهامة التى عمل المسلمون على بنائها للحاجة الضروية لها الحمامات العامة والتى لعبت دورا هاما فى تللك الفترة من تاريخ مصر الاسلامى خاصة فى حياة سكان القاهرة الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية ايضا واردت من خلال هذا المقال ان اجول بكم فى مدينة القاهرة الاسلامية لنقف على عمارة الحمامات العامة والدور الكبير الذى لعبته فى تلك الايام ونعقد مقارنة بسيطة بينها وبين حالنا اليوم وشكل الحمامات العامة البسيطة الموجودة فى الميادين والشوارع لنعرف أن الماضى كان أرقى وأجمل من الحاضر بكثير حتى فى الحمامات .
الحمامات من أهم المنشآت العامة التي اقيمت في مدينة القاهرة وذلك منذ الايام الاولى من فتح العرب لمصر وذلك نظرا لما أوجبه الإسلام على المسلمين من التطهر والاغتسال والنظافة التي ترتبط بالصلوات الخمس ونظرا لاهمية النظافة والطهارة فى حياة المسلمين فقد أصبح بناء الحمامات العامة في المدن الاسلامية لا يقل أهمية عن بناء وتشييد المساجد والأسبلة والأسواق والمكتبات حتى أن المسلمين ما أن استقروا في مدينة الفسطاط حتى شيدوا حماما أطلق عليه حمام الفأر لأنه كان صغيرا لا يقارن في حجمه بالحمامات الرومانية الضخمة ثم انتشرت الحمامات بعد ذلك في مدينة الفسطاط حتى صار عددها الف وستمائة وسبعون حماما وذلك في عام (539هـ 1144م) .
ولقد كان انشاء الحمامات العامة في المدن الإسلامية ضرورة ملحة وذلك لعدم قدرة الكثير من سكان هذة المدن على بناء حمامات في منازلهم حيث كان الأثرياء فقط هم القادرون على بناء الحمامات في منازلهم فضلا عن الدخل الكبير الذي كانت تدره الحمامات العامة على أصحابها .
أما عن حمامات مدينة القاهرة فيقال أن أول من شيد بها حماما كان العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين في مصر ولقد أحصى المؤرخ المقريزي في خططه حمامات القاهرة في زمنه فكانت تربوا على الخمسين حماما بعضها يرجع بعضها إلى العصر الفاطمي والايوبي والباقي يرجع إلى العصر المملوكي وأورد قائمة بأسمائها كما أحصى المؤرخ اوليا جلبى الرحلة التركي في كتابه (سياحة نامة) حمامات القاهرة وذكر أنها كانت خمسة وخمسون حماما .
كذلك أحصى علماء الحملة الفرنسية حمامات القاهرة فوجدوها نحو المائة حمام أما على مبارك باشا فقد أورد في كتابه (الخطط التوفيقية) ما يربوا على اسماء اربعة وخمسون حماما حدد لنا اسمائها ومواقعها والاسماء المختلفة التي تطلق عليها ولقد بلغ عدد حمامات القاهرة في القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي ثمانون حماما تقلص هذا العدد الكبير حتى صار في عام 1933 م سبعة واربعون حماما فقط وفي القوت الحالي لم يبق من حمامات مدينة القاهرة كلها سوى سبعة حمامات فقط
التصميم المعماري لحمامات القاهرة
يتكون الحمام القاهري من عدة وحدات معمارية أهمها
مدخل صغير يفضى إلى دهليز ضيق يؤدى بنا إلى قاعة واسعة تسمى المسلخ
المسلخ أو المشلح او المخلع : وهو المكان المعد لخلع الملابس وهو عبارة عن درقاعة مربعة جيدة الإضاءة مسقوفة بشخشيخة خشبية بها العديد من الأرائك الخشبية لاستقبال الزبائن ، ويفتح عليها ايوانات مسقوفة بالخشب ويجد بالمسلخ غرفة لصاحب الحمام يراقب من خلاله الحمام ويوزع الصابون والمناشف على المستحمين .
بيت أول : وهو مكان معد لجلوس المستحم ليتعود جسمه على الحرارة قبل الاستحمام وبعده
بيت الحرارة : وهو أهم وحدة في الحمام القاهري حيث توجد به المغاطس والأحواض والخلوات ويتوسط المكان حوض مكسو بالرخام به ماء شديد السخونة ويحيط به أماكن للتدليك ويغطى هذا الجزء قبة كبيرة .
المستوقد : وهو المكان الذي توقد به النار اللازمة لتسخين ماء الاستحمام وهو عبارة عن فرن عليه قدور من النحاس مملوءة بالماء ويندفع ألماء الساخن والبخار إلى الداخل من خلال مواسير من الرصاص أمام الدخان الناتج من ذلك فيتم سحبه إلى الخارج
دور الحمامات في الحياة الاجتماعية بالقاهرة
لعبت الحمامات دورا حيويا في الحياة الاجتماعية بالقاهرة حيث جرت العادة أن يقضي بعض الرجال يوما في الحمام يأخذون معهم طعامهم وشرابهم ويتسلون بضروب التسلية ويغنون بأعلى أصواتهم ومن المعروف أن بعض الحمامات كانت مخصصة للنساء والبعض الآخر مخصص للرجال وأنه كانت هناك حمامات خصصت للرجال والنساء حيث يرتادها النساء صباحا ويرتادها الرجال في المساء وكان يتم تغيير طاقم العمل بالحمام في كل فترة وكان خروج النساء للحمامات فرصة كبيرة لكي يغييرن الجو ويتمتعن بحرية نسبية وبذلك نجد أن الحمام كان مكانا هاما زاد من الاتصال بين نساء المدينة حتى أن كثيرا من الزيجات والارتباطات الاجتماعية كانت الحمامات بداية طيبة لها .
كذلك كان خرو ج الإنسان المريض إلى الحمام يعني شفائه التام من مرضه كما كان الحمام مرتبطا ارتباطا كبيرا بمظاهر الفرح والزواج بمدينة القاهرة حيث يخرج إليه العريس للتطهر والاغتسال كذلك تخرج إليه العروس للتطهر والتزين وكان أهل العروس يصحبنها إلى الحمام بالزغاريد في مظهر اجتماعي رائع .
كذلك حدث العديد من الاغتيالات السياسية لامراء المماليك في الحمامات وكثيرا ما حيكت المؤمرات المختلفة داخل الحمامات بعيدا عن أعين الناس والرقباء
ـ الرحالة وحمامات القاهرة الاسلامية :
ترك لنا الطبيب عبد اللطيف البغدادي في القرن السادس الهجري ـ الثاني عشر الميلادي وصفا لحمامات القاهرة العامة (وأما حماماتهم فلم أشاهد في البلاد أتقن منها وصفا ولا أتم حكمة ولا أحسن منظرا ومخبرا لأن أحواضها يسع الواحد منها ما بين راويتين إلى أربع راويات ماء وأكثر من ذلك يصب فيها ميزبان ثجاجان حار وبارد وقبل ذلك يصبان في حوض صغير جدا مرتفع فإذا اختلطا فيه جرى منه إلى الحوض الكبير وهذا الحوض نحو ربعه فوق الأرض وسائره في عمقها ينزل إليه المستحم فيستنقع فيه وداخل الحمام مقاصير بأبواب وفيه المشلح مقاصير لأرباب التخصص حتى لا يختلطوا بالعوام ولا يظهروا عوراتهم وهذا المشلح بمقاصير حسن القسمة وفي وسطه بركة مرخمة عليها أعمدة وقبة وجميع ذلك مزوق السقوف بحيث إذا دخله انسان لم يؤثر الخروج منه )
وفي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي كتب بريد نباخ عن حمامات القاهرة فقال: (ذهب جماعة منا إلى الحمامات إذ توجد في هذه البلاد احواض في غاية الجمال والبذخ مزينة بالفسيفساء وأنواع مختلفة من الرخام فالعرب يقبلون بشغف على هذا النوع من الرياضة وهم في غاية البراعة في تدليك أعضاء جسم المستحم)
أما ادوارد وليم لين فقد وصف حمامات القاهرة عند زيارته للمدينة عام 1825م فقال: ( تضم القاهرة أكثر من مائة حمام تزداد أهميتها في الشتاء وهي مصدر متعة يسهل على الفقراء الظفر بها بل أن ألاثرياء أيضا يترددون على الحمامات العامة ففيها يجدون متعة في اللقاء مع كثير من المعارف والاصحاب وما أن يدخل المرء إلى الحمام حتى يستقبله الخدم في قاعة الاستقبال حيث يودع ملابسه ويلف حول جسده بشكيرا ثم يقاد إلى دهليز تتزايد حرارته كلما تعمق فيه حتى يصل الى قاعة تتكثف فيهخا الابخرة الساخنة المعطرة التي تنفذ الى مسام الجلد فيضطجع على بساط صوفي ويدنوا منه صبي يمسك في يده كيس من الصوف السميك الناعم الملمس ويبدأ أولا في فرقعة مفاصل النزيل ثم يدلك جسمه بالكيس الصوفي ثم ينهض الرجل وقد لف جسده كله العرق الساخن ويذهب إلى قاعة بها ماء بارد وماء ساخن يغتسل فيهما بمفرده ويتحول بعدهما إلى فناء به حوض ملئ بمياه شديدة السخونة يغطس فيه لبضع لحظات ثم يخرج ويلف جسده بالبشكير ثم يعود إلى قاعة الاستقبال حيث يتناول فنجانا من القهوة يشد معه أنفاسا من النرجيله مسترخيا على الاريكة ثم يرتدى ملابسه المفعمة بأريج البخور .
الحمامات الباقية بمدينة القاهرة
لم يبق بمدينة القاهرة الإسلامية من الحمامات العامة سوى سبعة حمامات ثلاثة منها تعود الى العصر المملوكي والباقي يرجع إلى العصر العثماني ومن هذة الحمامات .
ـ حمام بشتاك : يرجع هذا الحمام إلى العصر المملوكي البحري وبالتحديد إلى عام 742هـ ـ 1341م ويقع هذا الحمام في شارع سوق السلاح أنشاه الأمير بشتاك الناصري أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون والحمام يستخدم في الوقت الراهن للرجال فقط ورغم اكتمال أجزاء الحمام إلا أن الجزء الوحيد المسجل منه في عداد الاثار هو المدخل فقط . وهو مدخل كسى بالرخام الملون
ـ الحمام المؤيدي : يرجع تاريخ هذا الحمام إلى العصر المملوكي الجركسي ويقع في حارة الحمام شيده السلطان المؤيد شيخ .
ـ حمام السلطان اينال : يقع الحمام بشارع المعز لدين الله ويرجع إلى العصر المملوكي الجركسي شيده السلطان اينال عام 861هـ طبقا للنص التأسيسى الموجود أعلى الباب الرئيسى للحمام وذلك قبل وفاته بأربعة أعوام
حمامات العصر العثماني الباقية بالقاهرة
لم يبق من حمامات مدينة القاهرة في العصر العثماني سوى أربعة حمامات ما زالت تستخدم في الوقت الراهن وهي:
حمام الملاطيلي : يرجع هذا الحمام للعصر العثماني وشيد في عام 1194 م ويعرف هذا الحمام بحمام الغمري ويقع في شارع مرجوش .
حمام السكرية : يعود تاريخ الى القرن 12هـ 18م ويقع في نهاية شارع المعز لدين الله أمام جامع المؤيد شيخ بالقرب من باب زويلة وما زال هذا الحمام مستخدما حتى اليوم
حمام الطمبلي (الصنبلي) : ويرجع تاريخ هذا الحمام الى القرن 12هـ 18م ويقع بشارع الطبلة بمنطقة باب الشعرية بالقرب من ضريح سيدي العدوي داخل درب الطنبلي وما زال يحتفظ بعناصره الأساسية وهي المسلخ وبيت أول وبيت الحرارة وما زال الحمام مستخدما في الوقت الراهن
حمام العدوى : يقع هذا الحمام بشارع ألباب الاخضر ويرجع تاريخه إلى القرن 13هـ 19م .
تلك هي جزء من حكاية حمامات القاهرة الاسلامية والتي كانت تمثل جزءا هاما من أجزاء المدينة وشاركت هذه الحمامات أهالى القاهرة أفراحهم وأحزانهم ولعبت دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية لأهالي المدينة وشهدت جدرانها الكثير من الأحداث التي لم يرصدها منظار التاريخ .
مُعلِق ووردبريس
5 أكتوبر، 2020 at 10:26 ممرحبًا، هذا تعليق.
للبدء بالإشراف، التحرير، وحذف التعليقات، من فضلك قم بزيارة شاشة التعليقات في لوحة التحكم.
صورة المُعلق تأتي من Gravatar.