هو سديد الدين أبو الفضل داود بن أبي البيان سليمان ابن أبي الفرج إسرائيل بن أبي الطيب سليمان بن مبارك، مولده في سنة ست وخمسين وخمسمائة بالقاهرة، وكان شيخًا محققًا للصناعة الطبية متقنًا لها متميزًا في علمها وعملها، خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة، ولقد كان يعالج المرض بالبيمارستان الناصري، وكان أقدر أهل زمانه من الأطباء على تركيب الأدوية ومعرفة مقاديرها وأوزانها؛ حتى إنه في أوقات يأتي إليه من به أمراض مختلفة قليلة الحدوث، فكان يملي صفات أدوية مركبة، بحسب ما يحتاج إليه ذلك المريض من الأقراص والسفوفات والأشربة، وهي في نهاية الجودة وحسن التأليف([1]).
ولمهارة الشيخ أبي السديد في صناعة الصيدلة فقد امتحنه بعض الشعراء بقوله:
إذا أشكل الداء في باطن | أتى ابن بيان له بالبيان | |
فإن كنت ترغب في صحة |
فخذ لسقامك منه الأمان([2]) |
وكان ابن أبي البيان في خدمة الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وعاش فوق الثمانين سنة([3]).
ومن أشهر مؤلفات ابن أبي البيان في مجال الطب والصيدلة أقراباذينه المعروف بالدستور البيمارستاني، والذي يقع في اثني عشر بابًا، اقتصرت على الأدوية المركبة المستعملة والمتداولة في بيمارستانات مصر والشام والعراق وحوانيت الصيادلة([4]).
والكتاب يقع في اثني عشر بابًا مرتبة كما يلي
- الباب الأول في المعالجين والأطريفلات.
- الباب الثاني في الجوارشنات.
- الباب الثالث في الحبوب والأيارجات والمطبوخات.
- الباب الرابع في الأقراص والسفوفات.
- الباب الخامس في الأشربة والمربيات واللعوقات والربوبات.
- الباب السادس في الغراغر والسعوطات.
- الباب السابع في الأكحال والشيافات.
- الباب الثامن في الحقن والفتائل والفرزجات.
- الباب التاسع في الأطلية والضمادات.
- الباب العاشر في الأدهان والتطولات.
- الباب الثاني عشر في المراهم وأدوية النواسير والخراجات.
وأول المخطوط بعد البسملة والحمد، وبعد هذا الكتاب أقرباذين جمعه الطبيب أبو الفضل داود بن أبي البيان المصري، وآخره أن إردت فتح المادة فخذ دقيق حتكار واجعله في الهاون، وصب عليه زيتًا وماء، واسحقه واضمد به، واعلم أن أدوية الأورام كثيرة، وقد فرقتها في هذا المجموع المبارك. ونسخة المخطوط محفوظة بمكتبة جستر بيتي، وعدد أوراقه 58 ورقة، ويرجع تاريخ نسخه إلى العام 1054، ونسخة الحاج زين الدين عبد الرحيم الحموي([5]).
أما محتويات الدستور فنستطيع أن نقول أن كتاب التراكيب كامل جدًّا يظهر فيه عدد كبير من الوصفات للأمراض المختلفة، ولكنا إذا قارناه بكتب التراكيب المشهورة مثل «الجامع» ما ظهر أي مفهوم في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء والجراحة، ويخصص الدستور بابًا بالتراكيب لجنسية النساء، وهذه المسألة لا تعالجها الكتب الأخرى على الأقل بصيغة مباشرة.
فعلينا أن نقول: إن الدستور البيمارستاني كتاب تراكيب عملي مخصص للبيمارستانات؛ حيث يأتي إليها مرض من كل نوع، وعدد الأمراض المجموعة في الكتاب هو مائتان وثلاثون مرضًا، وعدد الأدوية والمنتجات المساعدة هو ستمائة وسبعة.
إن المكتوب في الدستور موجه بصيغة أساسية إلى علاج الأمراض بواسطة استعمال الأدوية الواردة في أكثر الأحوال من عالم النبات، وأيضًا من عالمي الجماد والحيوان.
ويشتمل الكتاب على 175 وصفة مركبة، الأغلبية منها على هيئة الأشربة والمعاجين والمراهم والحبوب والسفوفات إلى 62% منها من المركبات مصنوعة من عناصر نباتية، 36% منها من عناصر جمادية ونباتية، 1% فقط مركبة من عناصر حيوانية.
ويلاحظ أن ابن أبي البيان في تركيب الأدوية، فهي العادية المستخدمة في كتب التراكيب العربية مثل الدانق والدرهم والحبة والكف والمثقال والقبضة والرطل هم الرطل البغدادي والرطل المصري.
ويتفق اختيار الأدوية المستعملة في الدستور ومقاديرها وطريقة استعمالها مع الطب العقلي([6]).
والجدير بالذكر أن الدستور البيمارستاني ظل مستعملًا في مصر والشام والعراق حتى منتصف القرن 7 هـ/ 13م، وحتى ظهر كتاب كوهين العطار (منهاج الدكان ودستور الأعيان)([7])