هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن السيد الغافقي، إمام فاضل، وحكيم عالم، ويُعَدّ مِنَ الأكابر في الأندلس، كان أعرف أهل زمانه بقوى الأدوية المفردة ومنافعها، وخواصها وأعيانها ومعرفة أسمائها، وكتابه في الأدوية المفردة لا نظير له في الجودة ولا شبيه له في معناه([1]).
اعتمد الغافقي في دراسته للنبات على الملاحظة المباشرة في مواقع النبات وبيئته الطبيعية، وعلى نقص ملاحظات علماء النبات السابقين من اليونانيين والعرب، وقد أخذ عنه الكثير من العلماء مثل ابن البيطار، وقد كان الغافقي، من أكثر علماء النبات في العصور الوسطى أصالة ومعرفة، ووضع أول موسوعة صيدلية في الأدوية النباتية([2]).
ومن أهم وأشهر مؤلفات الغافقي مخطوط مفردات النباتات الطبية، واعتبر هذا الكتاب في أوائل القرن الحالي مجهولًا، ولكن البحوث أبرزت وجود ثلاثة مخطوطات على الأقل منه، وهي كالآتي:
– نسخة مونتريال بكندا، وهي محفوظة بمكتبة جامعة Osler Demacgill وتتكون من 284 ورقة.
– مخطوط الرباط، ويتكون من 200 ورقة([3]).
– أما النسخة الثالثة من مخطوط الغافقي فهي محفوظة في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ويحمل رقم 380([4])، وقد ضاع أصل هذا المخطوط، ولم يبق لنا إلا مختصرًا له عمله أبو الفرج بن العبري، ونشره مايرهوف وجورج صبحي سنتي 1932، 1933م([5]).
لقد امتاز الغافقي ببعده عن أصحاب السلطة، فلم يخدم بالطب ملكًا، أو أميرًا شأن كثير من مشاهير الأطباء، وفي ذلك يقول: «قد شرعت في كتابي في الأدوية المفردة أتخذه لنفسي، ولم أحب إذاعته في أيدي الناس، ومبعثي على ذلك ما رأيته من قلة أهل البصر بما يوضع على صواب وعلى غير صواب، وإنما يؤثرون الكتاب الذى بين أيديهم ويقدمونه ويفضلونه على غيره؛ إما لأن واضعه ذو جاه ومنزلة عند سلطان، وإما رجل كثير المال»([6]).
كما أن أهم ما يميز الغافقي في كتابه أسلوبه النقدي لكل من سبقوه، وفي ذلك يقول: «ومن أغراض كتابي هذا شرح ما وقع في كتب الأطباء من أسماء الأدوية المجهولة، فمن نظر في كتبهم وما كتبوه ببحث وطلب، ولكن نسخ بعضهم ممن تقدمه من كتابه، فمن أخطأ فيهم تابعه على خطئه»([7]).
لقد اتبع الغافقي في كتابه الأدوية المفردة منهجًا علميًّا قويًّا، اعتمد على الاختصار والإيجاز، وكذلك اعتمد على الترتيب، فقسم كتابه إلى قسمين:
الأول: يشمل الأدوية المفردة وصفاتها العلمية وخصائصها الطبية والعلاجية.
والقسم الثاني: خاص بأسماء ومصطلحات المفردات الطبية الواردة في كتب الطب والصيدلة الإسلامية السابقة، ورتب المادة كلها حسب الحروف الأبجدية([8]).
كذلك تميز كتاب الغافقي بكثرة مصادره التي اعتمد عليها؛ حيث استعان بأكثر من ستين مؤلفًا، وكثرة مصادره وغزارة مادته جعلته يتبوأ منزلة رفيعة في مجال الطب العربي، فكتابه جامع بالمعنى الدقيق لمختلف المعارف المتصلة بالأدوية المفردة منذ العصور القديمة وحتى عصر المؤلف([9]).
إن كتاب الأدوية المفردة هو بمثابة موسوعة تشتمل على أسماء النباتات بالعربية والبربرية واللاتينية، كما تحتوي على الكثير من المصطلحات اللغوية([10]).
إن لكتاب الغافقي أهمية كبيرة من الناحية الفنية والعلمية، فهو موسوعة علمية مصورة لصور النباتات، وبعض الحيوانات التى تبدو من رسومها البارعة والجمال في الخط والصورة والأسلوب العلمي([11]).
لقد وضح الغافقي في مخطوطه أو المفردات والأدوية العلاقة بين الطب والصيدلة والفرق بينهما بقوله: «إن أكثر أطبائنا يرون أن معرفة الأدوية واختيارها ومعرفة الجيد منها من الرديء فضل خارج عن صناعة الطب، وأن الطبيب ليس عليه علم بشيء من ذلك، بل تقليد ذلك للشجارين والصيادلة، وأنا أقول في جواب ذلك: أما قولهم إن ذلك من غير صناعة الطب فصدقوا، وذلك أن معرفة الأدوية واختيارها إنما هو من صناعة الصيدلة لا من صناعة الطب، لكن أطباءنا هؤلاء كلهم صيادلة، فمن قال منهم أنه ليس عليه معرفة الأدوية فهو منه جهل؛ لأنهم يتولون بأنفسهم عمل الأدوية، فما أقبح من أن يطلب أدوية مفردة لتركيب دواء فيأتي بأدوية لا يعلم هل هي التي أراد أو غيرها فيركبها، ويسقيها عليله، يقلد فيها الشجارين ولغاطي الحشائش! وأضاف أن الطبيب هو الذي يحكم بما يجب للمريض من غذاء ودواء، ولا يتولى شيئًا من عمل ذلك بيده، فهو بذلك طبيب، أما إذا تولى تركيبها بنفسه فهو صيدلاني»([12]).
لقد نجح الغافقي في دراسته للطب والصيدلة دراسة عميقة ومتينة، وكان أعرف أهل زمانه بقوى الأدوية المفردة، ومنافعها وخواصها وأسمائها([13]).
لقد كان الغافقي بكتاباته في مجال الأدوية المفردة متميزًا بالدقة البالغة في وصف النباتات، وشهد له الغرب بذلك، وبالنبوغ والعبقرية، فهذا ماكس مايرهوف يقول عنه: «إنه أعظم الصيادلة أصالة، وأرفع النباتيين مكانة عند المسلمين طوال العصور الوسطى»([14]).
وللغافقي بعض المؤلفات الأخرى، منها «كتاب جامع المفردات» واختصر في المنتخب بواسطة ابن العيري، وتوجد منه عدة نسخ، ومنتخب الغافقي في الأدوية المفردة([15])