المحتوي
- 1 امتداد سلطان الفاطميين إلى مصر
- 2 أسباب غزو مصر تتعلق بالتنجيم
- 3 غزو مصر وسقوط الفسطاط
- 4 المعز لدين الله وفتح مصر
- 5 الفاطميون وتأسيس القاهرة
- 6 موضع القاهرة قبل انشائها
- 7 الغرض من انشاء القاهرة
- 8 الموقع الجغرافى للقاهرة المميزات والعيوب
- 9 تلال المقطم
- 10 النيل الخالد
- 11 الصحراء
- 12 ما عابه ابن رضوان على موقع القاهرة
حصلت الأسرة الفاطمية على اسمها نسبة إلى فاطمة الزهراء ابنه النبي محمد (ص) وزوجة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) والتي كان الخلفاء الفاطميون يقولون بأنهم ينحدرون من نسلها عن طريق الإمام إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق, ويحيط بهذا التسلسل لأنساب الفاطميين بعض اللبس والغموض, إذ أن منافسيهم العباسيون وبعض المؤرخين السنيين يقومون بمنازعتهم في هذا الشأن, وعلى ايه حال فإن الفاطميون ينتمون إلى فرق الإسماعيلية1
استطاع الفاطميون بانتقال ابو عبيد الله المهدى الى المغرب تأسيس دولة الفاطميين التي قضت على أغالبة القيروان في جمادي الثاني سنة 296هـ (فبراير – مارس سنة 909م) ثم قدر لها فيما بعد أن تعزو مصر وتحكمها لفترة تزيد على القرنين، ولا يزال أصل هذه الأسرة الفاطمية يكتنفه الغموض، ولقد أسس عبيد الله أول خلفاء الفاطميين عاصمته فوق مساحة من الأرض تمتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط بين مدينة سوسة وصفاقس، ونظرا لاعتقاده الجازم في علم التنجيم فقد تعمد أن يضع أساس عاصمته في 5 ذي القعدة سنة 303 هجرية (11 مايو سنة 916 ميلادية) عند ظهور برج الأسد.. وتم بناء حوائط المدينة في سنة 305هـ (917 – 918م) حسب رأي البكري أو في ربيع الأول سنة 304 هجرية (سبتمبر – أكتوبر سنة 916 ميلادية) حسب رأي ابن عذاري.
وقد بني عبيد الله قصرا تطل واجهته نحو الغرب على ميدان كان يقع على الجانب الآخر منه قصر ابنه أبى القاسم الذي كان مدخله يواجه الشرق، ومن الملاحظ أن وضع هذين القصرين اللذين يواجه أحدهما الآخر في شرقي الميدان
وغربيه يشبهان وضع القصر الكبير والقصر الصغير اللذين سوف يشدان فيما بعد في القاهرة الفاطمية، وهذا وقد ترك عبيد الله رفادة في سنة 308 هجرية (920 – 921 ميلادية) ليستقر في عاصمته الجديدة المهدية.
امتداد سلطان الفاطميين إلى مصر
رأى الفاطميون بعد أن امتد نفوذهم في بلاد المغرب أن هذه البلاد لا تصلح لتكون مركزاً لدولتهم، ففضلا عن ضعف مواردها كان يسودها الاضطراب من حين لآخر ، لذلك اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثروتها وقربها من بلاد المشرق الأمر الذي يجعلها صالحة لإقامة دولة مستقلة تنافس العباسيين.
كان عبيد الله المهدي يطمع في أن يتخذ مصر قاعدة يوجه منها حملاته إلى بغداد للقضاء على الخلافة العباسية المتداعية، لذلك وجه نشاطه على أثر تأسيس خلافته بالمغرب إلى وضع الخطط لغزو مص{، فأعد في سنة 301هـ (913) جيشا من
المغاربة تحت إمره ابنه وولي عهده أبى القاسم وقائده حباسة بن يوسف، واستولى هذا الجيش على برقة في طريقه إلى مصر، ثم واصل السير حتى استولى
على الإسكندرية وتوغل في الوجه البحري، وانفذ الخليفة المقتدر العباسي مؤنسا الخادم لدفع المغيرين، واشتبك الفريقان في معركة ببلدة مشتول على مقربة من الجيزة، وانهزم حباسة وعاد إلى بلاد المغرب حيث قتله الخليفة عبيد الله المهدي على أثر رجوعه.
وقد كشفت هذه الحملة – رغم ما أصابها من فشل – عن ميل كثير من المصريين إلى الدعوة الفاطمية بفضل دعاة الإسماعيلية كأبى على الداعي الذي بذل مجهوداً كبيراً في دعوة أهالي مصر إلى الدخول في المذهب الإسماعيلي، وقام بمصر بنفس الدور الذي قام به أبو عبد الله الشيعي في بلاد المغرب.
رأي عبيد الله المهدي أن يعاود الكرة لغزو مصر، فأخذ في إعداد جيش لفتحها، وأوفد أبا القاسم على رأس هذا الجيش في أواخر سنة 306هـ، فاستولى على الف الإسكندرية سنة 307هـ (919م) دون عناء، ثم سار إلى الجيزة، وأخذ الفاطميون يتوغلون في بلاد الوجه القبلي حتى تمكنوا من الاستيلاء على الأشمونين والفيوم.
أسباب غزو مصر تتعلق بالتنجيم
يرى دي خوبة أن الذي دفع المعز إلى التفكير في غزو مصر هو التقاء كوكب المشتري بزحل في برج الحمل في سنة 356 هجرية (967 ميلادية) وليدعم رأيه هذا أتي بكثير من الأمثلة لإيضاح ما كان لعلم التنجيم من أثر عظيم في حياة الشرقيين في العصور الوسطي، وخاصة عند الفاطميين وأشار دي خويه إلى كتب عبيد الله (الذي أصبح فيما بعد الخليفة المهدي) من التنجيم والعلم الخشية التي سرقت منه بالقرب من طاحونة أثناء قراره إلى أفريقية والتي استردها القائم في أثناء حملته الفاشلة على مصر، ويقال أن هذه الكتب كانت تحتوي على النبوءة التي شاعت وقتئذ وهى أن حكم العرب لبلاد المغرب سينتهي بإنتهاء القرن الثالث الهجري..
ويقرر دي خويه أن هذه النبوءة كانت مبنية بلاشك على التقاء الكواكب زحل بالمشتري في برج الحمل سنة 396هـ (908م) وهى السنة التي شهدت فعلا سقوط الأغالبة وظهور دولة الفاطميين وبدء حكمهم في القيروان ومن المعروف أن الفاطميين كانوا يتوقعون بداية عهد جديد هو عهد الدين الحق الذي يقترن بتغيرات فلكية تحدث سنة 316 هجرية (928 ميلادية) ويرى دي خويه كذلك إنه من المحتمل أن قيام الدولة الفاطمية سنة 296هـ (908م) قد جعل المعز وهو الضليع في علم التنجيم يختار سنة 356 هجرية (967ميلادية) لإعداد حملته على مصر لأسباب متصلة بالتنجيم أيضا إذ أنه في هذا العام يلتقي زحل بالمشتري في برج الحمل
غزو مصر وسقوط الفسطاط
أصبحت مصر نتيجة لما كان فيها من اضطرابات داخلية ومجاعات حدثت بسبب انخفاض النيل وظهور الطاعن الذي أعقب ذلك، عرضة للغزاة الفاتحين وكان المعز على علم نام بحالة البلاد بفضل ما أطلعه عليه يعقوب بن كليس اليهودي
المعز لدين الله وفتح مصر
أصدر المعز أوامره بحشد الجيوش فتجمع لديه مائة ألف رجل من القبائل العربية ولي جوهر قيادتهم وجهزهم المعز بالمعدات الكافية وأرسل معه المؤنة والعدد وآلات القتال. وسار الجيش من القيروان في 14 ربيع الأول سنة 358هـ (5 فبراير 969م) فوصل الجيزة في 17 شعبان سنة 358 هـ (6يوليو سنة 969م) وعبر النيل وسحق الجيوش التي كانت قد أعدت لقتاله علي الشاطئ الشرقي فسلمت مدينة الفسطاط ثم سار الجيش الفاطمي المظفر في المدينة حاملاً لواء النصر.
الفاطميون وتأسيس القاهرة
وبعد مضي عدة أعوام وفي عام 915 أسس عبيد الله مدينة للأسرة الحاكمة في مهدية على الساحل التونسي وذلك على الأرجح للتخلص من مقاومة السنيين التي كانت قوية في قيروان. وتجسد سمات مدينة “مهدية” العديد من سمات مدينة “قاهرة” المقبلة وبخاصة سمات القصرين (أحدهما للخليفة والذي يقع مدخله في اتجاه الغرب والأخر للوريث وتقع واجهته في اتجاه الشرق) والفناء (الرحبة بمسميات العصر) والجامع أيضا الذي تتفق سماته مع سمات الصروح الفاطمية التي أقيمت في الشرق وتنطبق نفس الظاهرة على منشأة الخليفة المنصور بنصر الله (عام 947) في جنوب غربي قيروان, إذ نجد بابين في مدينة “قاهرة” يحملان نفس اسم بابين شيدا من قبل في مدينة المنصورية (باب زويلة وباب أبو الفتوح) ولكن طموحات الفاطميين اتجهت نحو الشرق ربما بسبب حنينهم لاصولهم وربما أيضا لأن مستقبل الاسرة كان غير آمن في المغرب, وقد ظهر ذلك بوضوح بعد ثورة أبو يزيد (أبو يزيد مخلد بن كندار) الكبيرة (945-947) وقد أرسل المهدي ثلاث حملات إلى مصر (أعوام 913 و914 و918) كما قام ابنه القائم بأمر الله بمحاولة أخرى غير ناجحة أيضا في عام 934م.
وبعد وصول المعز لدين الله رابع خليفة فاطمي إلى الحكم (953 – 975) وكان حاكما ناشطا ومثقفا يعاونه القائد جوهر الصقلي وهو من أصل يوناني كانت الظروف المحيطة أكثر ملائمة لفتح مصر فقد كان كافور الإخشيدي حاكم مصر في وضع لا يستطيع معه الحصول على معاونة خارجية، ويحتمل أن الدبلوماسية الفاطمية لم تكن جاهلة بمجال الظروف التي ساهمت في تيسير تنفيذ مخططاتهم تجاه مصر, ففي داخل مصر كان الغلاء شديدا والمجاعات متكررة بسبب العجز فى مياه فيضان النيل في عام 967 لم يتعد مقياس ارتفاع مياه النيل 12ذراعا وسبعة عشرة اصبعا وهو أدنى مستوى وصلت إليه مياه النيل منذ الهجرة وقد ادى ذلك
إلى خلق حالة من الاضطرابات التي كانت مواتية للمشروع الفاطمي وتسببت وفاة كافور الإخشيدي (968) في نشوب أزمة داخل مصر وكانت الدعاية الفاطمية نشطة للغاية داخل البلاد ومهدت الطريق أمام القيام بحملة على مصر يضاف إلى مجمل هذه الظروف أن الخليفة المعز حصل على معلومات دقيقة عن أحوال مصر من يعقوب بن كلس, وهو يهودي عراقي حضر إلى مصر وأقام فيها ولقد لفتت قدراته أنظار كافور الذي قال “لو كان هذا الرجل مسلما لجعلته وزيرا” وفي عام 967 دخل يعقوب الإسلام وبعد وفاة يعقوب تم القبض عليه ورحل إلى شمال أفريقيا حيث عمل في خدمة الخليفة المعز لدين الله الذي استخدمه في شن حملته على مصر.
وكان الخليفة المعز قد وعى دروس المحاولات الفاشلة السابقة فقام بإعداد حملته على مصر بعناية “منذ عام 966 بدأوا في التحقق من حالة الآبار على الطريق المؤدي لمصر كما شيدت الحصون في مواقع مختلفة على طول الطريق وفي عام 968 بدأ الخليفة في تجنيد القوات حيث تم تجميع وتجهيز 100ألف جندي الأمر الذي تكلف 24 مليون دينار وبدأ الجيش في التحرك تحت قيادة جوهر يوم 5فبراير عام 969, وكان يحمل معه ألف صندوق مملوءة بالأموال كما كانت جمال عديدة تحمل جهرا الذهب المسبوك على هيئة رحى (حجر) الطواحين وذلك للتأثير في السكان 1
وكان الخليفة المعز يعد العدة لفتح مصر قبيل وفاة كافور، ففي سنة 356هـ (967م) أمر بإنشاء الطرق وحفر الآبار في طريق مصر، وأقام المنازل على رأس كل مرحلة، ولما وصلته الأخبار بوفاة كافور سنة 357هـ أخذ في إعداد المال اللازم لتجهيز حملة لفتح مصر، كما بعث إلى دعاته بالبلاد المصرية أعلاما وأمرهم أن يوزعوها على الجند الذين يؤيدون بيعته لينشروها إذا ما اقتربت عساكره من مصر.
عهد المعز لدين الله إلى جوهر الصقلي بقيادة الحملة التي أعدها لفتح مصر وخرج لوداعه يوم رحيله من القيروان في الرابع عشر من شهر ربيع الثاني سنة 358هـ فسار جوهر على رأس جيشه حتى وصل برقة فقدم له صاحبها فروض الطاعة واحتفل بلقائه، ثم مضى في سيره قاصداً الإسكندرية فدخلها من غير مقاومة ومنه جنده من التعرض للآهلين واستطاع أن يتألف عساكره بما أغدقه عليهم من الأرزاق.
ولما وردت إلى الفسطاط أخبار وصول جوهر إلى الإسكندرية واستيلائه عليها، شاور الوزير جعفر بن الفرات ذوي الرأي والنفوذ من أهلها، فاستقر رأيهم على مفاوضة جوهر في شروط التسليم وطلب الأمان على أرواح المصريين وأملاكهم،
واتفقوا على تأليف وفد للمفاوضة وكان على رأسه الشريف أو جعفر مسلم الحسيني والقاضي أبو طاهر الذهلي، فالتقى الوفد بالقائد الفاطمي عند تزوجه في
18 رجب 358ـ، وتصدى أبو جعفر مسلم لمفاوضته، وانتهت المفاوضة بكتاب الأمان الذي كتبه جوهر وأعلنه للمصريين، وقد بين جوهر في
هذا الكتاب الذي التمسه وفد أهالي الفسطاط، أن جيوش الفاطميين إنما قدمت لحمايتهم، كما عرض لبرنامج الإصلاح الذي سيقوم به كإقامة شعائر الحج وإصلاح الطرقات، والعمل على استتباب الأمن وتفوير الأقوات وإصلاح العملة، ونشر العدل، كما وعد بترميم المساجد وأثيثها، وأن تدفع للمؤذنين فيها والأئمة رواتبهم من بيت المال، كذلك نص في كتاب الأمان على أن يظل المصريون على مذهبهم، أي لا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي وأن يجرى الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، وتعهد جوهر في كتاب الأمان بتأمين المصريين على أنفسهم وأموالهم وأهاليهم وضياعهم.
على أن أهل الفسطاط لم يقبلوا هذان الأمان، كما تبين في الوقت نفسه أن طائفة كبيرة من الجند غير راضية عن عقد الصلح، وقالوا “ما بيننا وبين جوهر إلا السيف” وولوا قائداً من بينهم يسمى “تحرير” الإمارة، وعلى بذلك جوهر، فقدم بجيشه إلى الجيزة واستطاعت فرقة من جنده عبور النيل عند منية شلقان (شرقي القناطر الخيرية) ودار القتال بينها وبين الجند المصريين، فقتل منهم عدد كبير، ثم استقر رأى المصريين على مطالبة الشريف أي جعفر مسلم الحسيني بالكتابة إلى جوهر في إعادة الأمان، فكتب إليه يهنئه بالفتح ويسأله الأمان من جديد، فأجاب القائد الفاطمي دعوة الشريف وأعاد الأمان، وأذاع على الجند منشوراً يحرم فيه عليهم أن يقوموا بعمل من أعمال السلب والنهب، ثم خرج أبو جعفر مسلم وجعفر بن الفرات وسائر الأشراف والقضاة والعلماء ووجوه التجار والأعيان إلى الجيزة لاستقبال جوهر، وهدأت الحالة في الفسطاط وعادت الأعمال التجارية إلى ما كانت عليه1
موضع القاهرة قبل انشائها
القاهرة بنيت على أرض دير العظام الذى كان مملوكاً للأقباط
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في كتابه الروضة البهية الزاهرة في
الخطط المعزية القاهرة قال : اختط جوهر القصر وحفر أساسه في أول ليلة نزوله القاهرة وأدخل فيه دير العظام وهو المكان المعروف الآن بالركن المخلق قبالة حوض جامع الأقمر قريب من بئر العظام والمصريون يسمونها بئر العظمة ويزعمون أن طاسة وقعت من شخص في بئر زمزم وعليها اسمه فطلعت من هذه البئر
ونقل جوهر القائد العظام التي كانت في الدير المذكور والرمم إلى دير في الخندق فدفنها لأنه يقال: إنها عظام جماعة من الحواريين وبنى مكانها مسجدًا من داخل السور وأدخل أيضًا قصر الشوك في القصر المذكور وكان منزلًا تنزله بنو عذرة
وجعل للقصر أبوابًا: أحدها باب العيد وإليه تنسب رحبة باب العيد وإلى جانبه باب يعرف بباب الزمرد وباب آخر قبالة دار الحديث يعني المدرسة الكاملية وباب آخر قبالة القطبية وهي البيمارستان الآن يعرف الباب المذكور بباب الذهب وباب الزهومة وباب آخر من ناحية قصر الشوك وباب آخر من عند مشهد الحسين ويعرف بباب التربة وباب آخر يعرف بباب الديلم وهو باب مشهد الحسين
كان موقع القاهرة قبل انشائها رملة بين فيما بين الفسطاط وعين شمس يمر بها الناس عند مسيرهم بينهما وكانت فيما بين الخليج الكبير وخليج اليحاميم وهو الجبل الاحمر وكان الخليج فاصلا بين تلك الرملة وبين قرية ام دنين الى عرفت بعد ذلك بالمقس وكان من يسافر من الفسطاط الى الشام ينزل بطرف هذة الرملة فى منية الاصبع الذى عرف بعد ذلك بالخندق ثم بالدمرداش الى الان
وكان الطريق من الفسطاط الى عين شمس فما بعدها بحافة الخليج الشرقية ولا يكاد يمر بالرملة وكان بها دير للنصارى ولم يكن بهذة الرملة عند نزول القائد جوهر الصقلى الى مصر سوى بستان الاخشيد الذى عرف بعد ذلك بالكافورى وكان بجانبه ميدان كذلك كان هناك دير العظام للنصارى بجوار موضع جامع الاقمر وكان قصير الشوك الذى عرف بعد بناء القاهرة بقصر الشوك 3
وكان تشييد مدينة “تقهر الدنيا” من بين أهداف الحملة لفتح مصر التي حددها الخليفة المعز في إعلانه عند استعراضه لقوات جوهر الصقلي قبل رحيلها وكان على جوهر أن يختار بين عدة مواقع لإقامتة مؤسسته الجديدة: إما الاستمرار مثل الطولونيين في البقاء بعيدا عن النيل أو الإقامة بالقرب من النيل الذي يحقق التزود بالمياه وبالمواصلات أو العودة نحو الجنوب حيث توجد الفسطاط وقد اختياره على سهل رملي يحده جبل المقطم من الشرق والخليج من الغرب والذ كان خاليا من المنشآت تقريبا فيما عدا ديرا للاقباط وقصر صغير (قصير) وحيث أقام حافور بساتينه وكان لهذا الموقع ميزة البعد عن تحركات النيل وفيضاناته وهو يبتعد قليلا عن الفسطاط حيث يقيم الأهالي السنيون والأقباط بينما كانت المدينة مكرسة لتكون العاصمة السياسية ومقرا للنخبة كما كان الشأن في حالة مدن القيروان والمهدية بشمال أفريقيا وقد تضمن هذا التنظيم ترك منطقة خالية بين المنشأة الجديدة والفسطاط لكي يقيم الجيش معسكراته فيها أثناء عمليات التشييد ولمراقبة الفسطاط في نفس الوقت وأخيرا قامت المدينة الجديدة بدور الحماية ضد خطر القرامطة الذين قاموا بعد قليل بتهديد مصر.
وفي نفس الليلة التي استقر فيها جوهر في الموقع قام بتعليم مسار سور المدينة عن طريق وضع قوائع خشبية يمتد فيما بينها حبل علقت عليه أجراس وتم الاتفاق
على أنه يتم وضع الأساسات الأولى للسور حين يحدد المنجمون اللحظة المناسبة ويختارون طالعا سعيدا للبدء في العمل وتقول الرواية أن غرابا حط على الحبل الذي اهتز فدقت الأجراس وبدأ العمال في إلقاء أحجار الأساسات واستكشف المنجمون في تلك اللحظة بأن كوكب المريخ “القاهر” (ومن هنا حصلت القاهرة على اسمها) كان في الطالع حين وضعت الاساسات الأولى وكان ذلك من العلامات السيئة ويقال أيضا أن الخليفة المعز أعطى أمرا لجوهر بتشييد “مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا” وتقول رواية أخرى أن جوهر سمي المدينة في البداية المنصورية (بمعنى المنتصرة أو الظافرة) وذلك تشبها باسم المدينة المقامة بالقرب من القيروان
فلما رفع الأمر للخليفة المعز، عند قدومه إلى مصر في 5 رمضان سنة 362 (10يونيو 972) وكان عالما في التنجيم، وافق على نسبة المدينة الجديدة إلى كوكب القاهرة، الذي كان يعهد فيه يمن الغدوات، وبركة الروحات، وأضيف إليها اسم المعز، فصارت تعرف باسم القاهرة المعزية أو قاهرة المعز.2
ولم يكن مقدرا لها بأن تصبح مدينة حقيقية, لقد كانت مجاورة لمدينة فسطاط حيث يقيم الرعايا وحيث تزدهر الأنشطة الاقتصادية التي تحقق الموارد المالية اللازمة لتمويل الطبقة الحاكمة ومع ذلك لم يكتب الدوام لهذا الاختلاف الوظيفي بين قاهرة وفسطاط إذ بدأت القاهرة في التحول إلى مدينة حتى من ذ قبل نهاية دولة الأسرة الفاطمية وقبل بداية حكم الأيوبيين الذين غيرت سياستهم اتجاه تاريخ العاصمة بطريقة حاسمة.
ولم يقم جوهر إلا بالتخطيط لإنشاء القصرين في المنطقة التي قدر لها أن تكون في وسط المنشأة الجديدة وذلك وفقا لتنظيم يذكرنا بطبيعة الحال بالتنظيم الذي قام عبيد الله المهدي بتنفيذه في مدينة المهدية ويقع القصران الشرقي والغربي في الجهتين الشرقية والغربية على جانبي امتداد الشارع الرئيسي ووضع جوهر رسم هذا الشارع بحيث يتخذ مسارا شبه مستقيم متجها من الشمال إلى الجنوب ويصل بين باب الفتوح وباب زويلة وفي منتصف الشارع بوجد ميدان يسمى “بين القصرين” ولم تكن مباني القصرين مندمجة معا (مثل قصر عابدين بالقاهرة أو قصر فرساي بضواحي باريس) بل كانت عديدة ومتفرقة ويقدر المؤرخ بول رافيس مساحة القصر الكبير الشرقي بحوالي 7هكتارات أكثر من 17فدانا) وفي الناحية الجنوبية الغربية من القصر بدأ جوهر عام 970م في تشييد ضريح لدفن رفات الخلفاء التي أحضرها معه, والذي قام الخليفة العزيز بالله (975 – 996) باستكماله كما شيد قصر الذهب والإيوان الكبير(قاعة مكشوفة؟) وظلت تضاف منشآت أخرى إلى هذا القصر حتى منتصف القرن الثاني عضر فقد أضاف الوزير مأمون البطائحي (1122-1125)
الغرض من انشاء القاهرة
اختلف المؤرخون فى الغرض الذى أقيم من أجله سور سميك حول مدينة القاهرة وجعلها كحصن ملكى أو مدينة ملكية
ـ غرض حربى : فيذكر المقريزى أن جوهرا قصد باختطاطه القاهرة أن تصير حصنا فيما بين القرامطة ومصر ليقلتلهم من دونها ، فأدار السور اللبن على مناخه الذى نزل فيه بعساكره ، وأنشأ داخل السور جامعا وقصرا ، واعتبرها معقلا يتحصن به ، وتنزله عساكره ، واحتفر الخندق من الجهة الشمالية ليمنع اقتحام عساكر القرامطة للقاهرة وما وراءها من المدينة
ـ غرض ارستقراطى : ويذكره ابن دقماق فى كتابه الانتصار حيث يقول أن جوهرا بنى لسيده القاهرة والقصور ليكون هو وأصحابه وأحفاده بمعزل عن العامة
وعلى هذا فمن المرجح أن يكون جوهر قد قصد الغرضين معا ، بمهنى انه استطاع أن يحصن المدينى تحصينا كافيا ، وان يعوق فى الوقت نفسه عامة الشعب ، فى كل من الفسطاط والعسكر والقطائع من الوصول الى القاهرة كى لا يصلوا الى القصور الملكية ، فمن المعروف ان جوهر منذ بنائه للقاهرة لم يسمح لاى فرد باجتياز أسوار هذة المدينة الملكية الا اذا كان من جند الحامية الفاطمية أو من كبار الموظفين فى الدولة بل كان الدخول الى القاهرة وفق تصريح خاص عن طريق تلك الأبواب الثمانية التى فتحها جوهر فى سور مدينته 1
الموقع الجغرافى للقاهرة المميزات والعيوب
تقع مدينة القاهرة على خط طول 24 30 وعلى خط عرض 30 28 وتبعد عن النقطة التى يتفرع عندها نهر النيل بمسافة 24 كيلو متر ، وتقوم القاهرة على الشاطىء الشرقى للنيل ، ويحف بها من جهة الشرق سلسلة تلال المقطم ذات الطبقات الصخرية وكلما اتجه المقطم نحو الشمال قل ارتفاعه تدريجيا وتنبسط مدينة القاهرة منحدرة مع سفحه تدريجيا نحو شاطىء النيل وكان نهر النيل فى الازمنة السابقة يمر بجوار المقطم مباشرة ، ويبلغ ارتفاع سطح القاهرة عن منسوب البحر بمقدار 15م
وفى تلك المنطقة التى تقع فى جنوب النقطة التى يتفرع منها النيل ، اعدت الطبيعة مكانا جعلته صالحا لان تبنى عليه حواضر وادى النيل . ولذلك شيد المصريون منذ فجر التاريخ عواصمهم، ومراكز دفاعهم فى هذه المتعلقة الضيقة حيث يسهل الدفاع وصد المغيرين القادمين من الشمال والقاصدين غزو الوجه القبلى ، كذلك يسهل دفع المهاجمين القادمين من اعلى النيل للاستيلاء على دلتا مصر ، ومن ذلك شيد المصريون القدامى قبل بناء الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة مدينة منف
غربى النيل ، ومدينة هليوبوليس حيث اراضى المطرية ، عين شمس ، وبابليون (مصر القديمة) التى تعرف اليوم بقصر الشمع .
وبالاضافة الى ما لهذه المنطقة من مزايا استراتيجية ، فان لها مزايا تجارية لا يستهان بها ، اذ اعدتها الطبيعة لان تكون مركزا تجاريا وذلك لتفرع نهر النيل عندها وتوسطها بين شمال البلاد وجنوبها ، وكانت سفن اهل الجنوب تصعد النيل حتى موانئ هيليوبوليس ، وبابليون ومنف قبل الفتح العربى ، ثم الفسطاط والمقس وبولاق واثر النبى بعد الفتح .
وهناك وجهات نظر اخرى تتعلق بمزايا او عيوب الموقع الذى اختاره القائد جوهر لتأسيس القاهرة صحيح ان جوهر نظر الى الموقع من الناحية العسكرية وهو فى ذلك كان على حق . غير ان الخليفة المعز لدين الله حينما قدم الى القاهرة سنة 312هـ – 973) لم يرق فى نظره موقع القاهرة لانها بغير ساحل ، وقيل انه تحدث الى قائده جوهر قائلا له : “فاتك بناء القاهرة على النيل عند المقس (ميدان رمسيس) ، فهلا كنت بنيتها على الجرف؟ (منطقة الرصد) . وربما كان المعز على حق ، فان منطقة الرصد التى اشار اليها منطقة جميلة تشرف على النيل والجبل ، وبركة الحبس وجمعت بين السهل والجبل ، وبين الخضر والماء
ومع ذلك فإن الخلفاء الفاطميين بعد المعز لدين الله لم يفهم مواطن الجمال فى اطراف القاهرة ، فانتفعوا بها وبشاطئ النيل وحافتى الخليج ، بما انشئوه من المناظر والبساتين والضواحى فامتد العمران ، الى خارج اسوار القاهرة .
تلال المقطم
ولنعد الان الى سلسلة تلال المقطم وهى الحد الشرقى لمدينة القاهرة ، وقفت عندها مئات السنين وحمتها كما وفرت المدينة مواد البناء ، وفضلا عن ذلك فقد منحت القاهرة جفاف الهواء المنشط وان لم تيسر لها زحف العمران ، باستثناء ما حدث فى السنوات الاخيرة فى اعقاب انشاء مدينة المقطم ، اذا لم تنس مدن الموتى او مقابرهم التى تحتضنها السلسلة الجليدية من مقبرة الغفير الى الشمال الى مقبرة الامام الشافعى فى الجنوب .
والواقع ان المقطم منع القاهرة من التوسع نحو الشرق وكادت تختنق فى هذا الجانب وفرض عليها امتدادا نحو الشمال والشمال الشرقى والغرب كما حدث فى ايامنا . كانت سلسلة المقطم بمثابة خط القاعدة الذى ارتكزت عليه القاهرة فى نموها ، وبينما لم يعد اجتيازها النيل عقبة على الاطلاق ، على الاقل منذ القرن الماضى ، فقد ظل محور المقطم منذ بداية المدينة الى اليوم عقبة طبيعية قاسية . ومن الناحية التاريخية ، خلال العصور الوسطى ، فإن احضان المقطم المباشرة التى نشأت فيها هى بطبيعة الحال “النواة النووية” للمدينة مثلما كانت قلبها المركزى فى مراحل طويلة من حياتها حتى قبل بناء قلعة الجبل ، فدائما منذ الفتح العربى كان مقر الحكم لصيقا او يكاد بسفوح المقطم فى الشرق ، ومن حوله كانت ترى احياء الموظفين والاعوان والمقربين وكبار التجار والحرفيين ثم العامة ، بينما كانت بطائح وشطوطه النيل التى تصعها المستنقعات والبرك واراضى البعل ويهددها خطر الماء من فترة الى اخرى منطقة الزراعات وتموين المدينة ، واحيانا ملاعب ومنتزهات …. الخ . ومنذ منتصف القرن التاسع عشر اخذت القاهرة تهج تلال المقطم وتزحف الى غرب النيل ، واخذ كثير من اجهزة الحكم والمؤسسات تغادر قلبها القديم فى شرق المدينة وتهاجر بانتظام نحو الغرب والشمال والشمال الشرقى وليس يخفى على احد ان القاهرة ـ اليوم ـ اكبر مدائن افريقية والشرق الاوسط ، واكثرها ازدحاما بالسكان فهى كادت تنفجر ….
النيل الخالد
والظاهرة الجغرافية الثانية ، بالنسبة الى القاهرة هى النيل ، الذى كان الى عهد ليس بعيد ، الحد الغربى لمدينة القاهرة ، فلم تتجاوزه المدينة الا فى منتصف القرن التاسع عشر ، ولا يخفى ان الشاطئ الشرقى للنيل فى ايام الفتح العربى كان يمس حصن بابليون وعلى مسافة صغيرة من جامع عمرو بن العاص .
وتكاد تتفق كلمة المؤرخين الجغرافيين على ان الشاطئ الشرقى للنيل عند دخول العرب مصر كان يمر بناحية اثر النبى جنوب مصر القديمة ، ثم يتجه الى الشمال بجوار شارع اثر النبى الى ان يتلاقى بسكة حديد حلوان عند محطة المدابغ ، فيسير النيل بجوار هذه السكة الى ان يتقابل بشارع مارى جرجس ، فيسير مارا بقصر الشمع (بابليون) ، فجامع عمرو تم يسير محاذيا شارع سيدى حسن الانور الى نهايته ثم يتجه شمالا مارا بعدة شوارع حتى يصل الى شارع محمد فريد ويستمر الى نهايته عند التقائه بشارع رمسيس ثم ينعطف النهر الى الشرق حتى يصل الى ميدان رمسيس ، فشارع غمرة ثم يسير بعد ذلك شمالا محاذيا لخط السكة الحديدية (مصر ـ اسكندرية) ثم ينحنى قليلا نحو الغرب حتى يتقابل مع مجراه الحالى عند ترعة الاسماعيلية (شبرا) .
وقد انحسر النيل عن اراضى كثيرة فى غرب القاهرة الفاطمية ، وظلت هذه الاراضى مواطئ رطبة تملؤها المستنقعات والخلجان والبرك ولا تصلح للتعمير والسكن الا بعد انحسار النيل عنها ومرور قرون من الارساب والصلابة ، فلم تظهر ارض اللوق الا منذ الايوبيين ، وأرض الازبكية الا منذ ايام الفاطميين وكانت قطعة منها تغطيها بركة بطن البقرة (الازبكية فيما بعد) . اضف الى هذا كثرة الجزر فى النيل فى المنطقة التى تقابل وسط القاهرة .
الصحراء
واينما اقبلت على القاهرة فلابد ان تمر بواحد من مداخلها الصحراوية ـ من الشرق او من الغرب او من الجنوب ، فلولا نهر النيل لكانت مدينة صحراوية مائة فى المائة ، شانها فى ذلك كشان القيروان التونسية . فالقاهرة كما قال عنها الكاتب البريطانى ، “ديز موند ستيورات” هى بنت الصحراء واكبر المدن الصحراوية وتبلغ مساحتها 414 كيلو مترا مربعا ، ولها لون صحراوى ، وافضل لقاء لها هو من ناحية الصحراء غير طريق السيارات : يبدأ من البحر المتوسط ، ويمتد قرابة مائتى كيلو مترا وسط بيداء مكسوفة وينتهى عند سفح هضبة الاهرام المشرفة على وادى النيل .
ما عابه ابن رضوان على موقع القاهرة
ومع ما كانت عليه هذة المدينة من العز والثروة عابها الطبيب ابن رضوان وشنع على موقعها فقال : ان بعدها عن خط الاستواء ثلاثون درجة ، والجبل المقطم فى شرقيها ، وبينها وبينه المقابر ، وقد قال الاطباء أن أردأ المواضع ما كان الجبل فى شرقيه يعوق ريح الصبا عنه . قال : وأعظم اجزاء الفسطاط فى غور ، فإنه يعلوه من الشرق المقطم وكذا من الجنوب الشرقى ومن الشمال المكان المعروف بالموقف والعسكر وجامع ابن طولون ومتى نظرت الى الفسطاط من الشرق أو من مكان آخر عال رأيت وضعها فى غور وأزقة الفسطاط وشوارعها ضيقة وأبيتها علية