مقامة القادري في وصف متنزهات القاهرة المملوكية
من أمثال المقامات التي قيلت في المتنزهات في العصر المملوكي اقتطف فقرات من مقامة الشيخ شمس الدين محمد بن ابي بكر القادري التي سماها” عرف الروضة الذكية في وصف محاسن الأزبكية”، والتي كتبها عقب عمران أزبك للأزبكية، ومنها وصف الجامع وصفا طريفاً قال فيه: “… أعمدته كشموع كبيرة ناصعة البياض، ورخامه المدبح قد استعار من البستان خضرة رياضة، ومن الليل والنهار لون سواده وبياضه، وكأن شرفاته المرتفعات حسان نساء في أزرهن متربعات، وكأنه في الليل البدر غير محتجب، سرادق من الفضة قد ضرب…”.
ثم أخذ في وصف منشآت الأمير أزبك حول البركة بأسلوب بليغ تحايل فيه ببلاغته على وصف تفاصيل العمارة الاسلامية أبلغ وصف، فمن وصفه لقاعات القمر ورخامها قال” وافتخرت على البقاع بقاعاتها التي هي كجنات تجرى من تحتها الأنهار، تطرد بها آناء الليل وأطراف النهار، من كل شاذروان تقربه العينان، إذا انكسر ماؤه وانسكب، تسلسل كالفضة على أرض من ذهب، وقام بعد تكسر يجرى في أخدود، يسر الوارد عن الورود، ينتهى من تلك الأخاديد إلى فساقي، تسعى لسقيها عند الورود ألف ساقي، وتلك القاعات بها رخام ملون، كأنه من بديع الزهر قد تكون، فكأن بستانها أهدى لرخامها من رياضه حللا، محكمة النسيج لا ترى خلالها خللا.
وكل مبيت يفضح الشموس والأقمار بقمرياته، ويدهش العيون إذا نظرت إليه بحسن دهانته، إذا قابلت قمرياته الشمس إذا بزغت والقمر إذا طلع، يظنان أن قوس السحاب وقع عليها لحبة إياها وقطع، يقابلها الدهانات البعلبكية، التي تدهش العيون برؤيتها السنية، وشى كالنقش الأخضر على ترائب الأتراب الحسان، إذا رآها الانسان أذكرته رياض الجنان، فبهجه الأنس عن مناظرها غير غائبة، وجسم جمال النقش يكاد أن يتحرك بروح حسننة وعروقه اللاعبة، وتظن رخامها الملون ف يحسنه من زهور الرياض، وأسوده في أبيضه كسواد العيون منها في البياض، وإذا قرأ القارىء الذي من سجيته الطرب، تكاد سقف تلك القاعات تنقطه من مكارم منشيها بالذهب”.
ثم وصف الحمامات بقوله: “… يالها من حماما يستوقف الناظر حسن رخامها الوسيم، ويستوقف الأسماع صوت مائها الرخيم، وتحير في حسن بهجتها النظار، إذا أشرفت أقمار جاماتها بالنهار…”. ثم وصف البركة بقوله: ” إنها بركة محفوفة بالمفترجات والمناظر، ترتاح إليها النفوس وتقربها النواظر، فهي بركة أنيقة المنظر، صافية المخبر، أرضها كالعنبر، وعرفها كالمسك الأذفر”.
ثم وصف الحدائق حولها وما يتم به من حفلات تطلق فيها الألعاب النارية بقوله: “كأنى أراها حين سعى الناس إليها من كل مكان في ليلة أحرقت مردة الهموم، بشهب من نيران النفط كالنجوم الرجوم، فبينما الناس في لهو وفرح، وبسط من الأنس ومرح، إذ أطلع فلك السماء الماء فلكاً تحمل أشجاراً من نار، يقذف النفظ منها أنواعاً من الأزهار، من مفضض ومذهب ومدبج من ألوان اللهب، وأسهم تنسب مع إصابتها إلى الخطأ، وضوء شمس يكشف عن وجه الظلام الغطا، في ليلة ينجاب عن وجهها الظلام، وشاهد الناس فيها العجب، لما اصطلح الماء مع اللهب، وطار على وجه الماء فراس من ذهب، ودارت بأكف اللاعبين دواليب من نار، من غير رياش تدور على قلب ولا زنار، فيالها من نار أثلجت الخواطر، وأقرت برؤيتها م الحاضرين كل ناظر.
ثم استطردت في وصف البركة فقال: ” … زادت على بركة الرطلي قناطير قناطرها، وزهت عليها حسنا للناظرين بمناظرها، فهي في الارض لكثرة الخلق كالسماء ذات الحُبك، وإذا كررت النظر في منظرها العجيب يعجبك، فيالها من بركة ماؤها بتجعيد الرياح كالمبرد يجلو عن القلوب الصدا، ويرد العيون مد مائها الأسيل فلا يزال بالعيون مورداً، إذا افتخرت السماء بنجومها وسماكها افتخرت سماء مائها، بكواكب اسماكها، وان افتخرت بشموسها وبدورها، افتخرت بشموس حسانها وبدورها، فهي في زمن النيل بمناظرها كالسماء ذات البروج، وفي زمن الخريف ذات شطوط ومروج، فإذا نضب عنها الماء خرج من سجن طينها من زغب الحب ما كان من المحابيس، وبرزت في حلل من زهر الربيع كأذناب الطواويس، يالها من بركة إذا رآها الناظر أعلن بالتهليل والتكبير ودعا بطول البقاء لمنشأها الأمير الكبير”. وختم هذا الوصف بما كانت عليه حوانيت التجارة حولها من رواج يشبه رواجها الحالي