تـسنيم فتـاة صـغيرة لا يتجـاوز عمرهـا ثمـاني سـنوات، تَعِـيشُ مـع أسـرتها فـي بيـت رِيفـي جميـل، تُحِـيط بـه حديقـة جميلـة، بهـا العديـد مـن أشـجار الزينـة والفاكهـة، كانـت تـسنيم تقـضي معظـم وقتهـا فـي الحديقـة؛ تَـلْهُـو وَتَـلْعب مع أخويها مـازن وعاصـم، وتجمـع بعـض الزهـور لتـضعها فـي زهريـة جميلة في غرفتها الصغيرة.
كانـت تـسنيم تـستيقظ مـن النـوم مبكـرًا مـع شـروق الـشمس لتـستمتع بنـسمات الـصباح ومـشاهدة العـصافير وقـد اسـتيقظت مِـنْ نومهـا وبـدأت تُـغَـردُ بـصوتها الجميـل، وَتَـنْتقِـلُ مـن شـجرة إلـى أخـرى، كأنهـا سـعيدة باسـتقبال يـوم جديـد، وتعلقَـتْ عُيـون تـسنيم بِـزَوْجٍ مِـنْ طَـائر اليمـام اللـذين كانـا يحـاولان بنـاء بيـت لهمـا مـن القـش المتنـاثر علـى أرض الحديقـة ،وكانت عيـون تـسنيم تَـرْقُـبُ مـا يفعـلان؛ حيـث اختـارا المكـان الـذي سـوف يكون فيه العش، وهو مكان مرتفع فوق شـجرة التـين، وقـد اختـارا المكـان بعناية حتى لا تصل إليه أيدي العابثين من الأطفال، ولاحَظَتْ تسْنيم أنهمابدَأَ رحلة العمل والكفاح من أجل بنـاء البيـت، فكانـا يعمـلان طـوال النهـارفـي جمـع القـش دون كَلَـلٍ أو مَلـل، وُكُلمَـا جَمَعَـا بعـضًا مـن القـش وضـعاه بشكل مُنَظم ومُنَ سق، حَتى اسـتطاعا فـي نهايـة الأمـر بنـاء عـش لهمـا. وقـد شاهدت تسنيم في عيونهمـا الفَرْحَـةَ والـسعادة بعـد فراغهمـا مِـنَ البنـاء بعـد عمـل شـاق، فقـد أطلقـا أصـواتًا جميلـة، ووقفـا بجـوار عـشهما الجديـد يحـتفلان بإنجـاز هـذا العمـل الـذي سـيجمع بينهمـا، ويكـون سـكنًا لهمـا ولأسرتهما.
ظلـت تـسنيم تراقـب زَوْجَ اليمـام، وذات يـوم نظـرت مـن شُـرْفة غرفتهـا على العُشّ، فوَجَدَتِ اليمامـة قـد وضـعت بَـيْـضَتين جميلتـين، كانـت تتبـادل الجلـوس عليهمـا مـع زوجهـا لِعِـدةِ أيـام، وبعـد أيـام فُوجِئَـت تَـسْنِيم بـأن البيـضتين قَـدْ فقَـسَتا، وخـرج منهمـا فرخـان جمـيلان صـغيران كانـا موضـع عناية الأم والأب، فكانت اليمامة الأم تَظَ ل مَعَهُمَا، فـي حـين يخـرج الأبُمِنَ العش مبكرًا للبحث عن الطعـام والمـاء. وبعـد فتـرة يعـود وقـد مـلأ فمـهبالطعام، فيضَع فمه في فم الصغار؛ لِيَضَعَ الطعام والشراب، يفعـلان ذلـكمع صغارهما بكل حنان وحب وسعادة، فإذا ما أكل وشرب الصغيران نامَا فـي عـشهما، كانـت تـسنيم سـعيدة ج ـدا بحيـاة هـذه الأسـرة الـصغيرة التـي تَـعْـرِفُ عنهـا كُـل شـيء منـذ أن جمـع بينهمـا الحـب، واتـفَقَـا علـى الـزواج ،وقررا بناء بيت لهما، ثم إنجاب فرخَيْهِمَا الـصغيرين، فكانـت تـسنيم تعْمَـلَ علـى مـساعدة الـزوجين؛ حيـث تُـلْقِـي لهمـا بالحَـ ب وَتَـضَعُ لهُمَـا المـاء فـي الحديقة، وكان زوج اليمام يَـهْـبِطُ مـن أعلـى الـشجرة لـشرب المـاء والتقـاط الحـب، وتـسنيم واقفـة تُـشَاهِدُ مَـا يفعـلان، وكـأن اليمـام يعـرف أن تـسنيم صديقة لهما، فكانا لا يخافان منها.
ظل الحال على ذلك حتـى اسـتيقظت تـسنيم مـن نومهـا يوًمًـا، وخرجـت إلى شرفة غرفتها لِتَطْمَئِ ن على أحوال عش اليَمَـام، وُتُمَتـع نظَرَهَـا بمـشاهدة الصغار، فلم تجد الأب والأم في العش، فظَنـتْ أَنـهُمَـا خرجـا للبحـث عـنالطعام لإطعام الـصغار، ومـضى اليـوم، ومـع غـروب الـشمس ودخـول الليـلنظرت تسنيم إلى العـش فوَجَـدَتْ أن صـغارَ اليمـام تـصرخ والأم والأب لـميعودا بَـعْدُ، فأخذتْـهَا الحيرة، وَوَقَـفَتْ تُـفَ كرُ ماذا تفعل! وسـرعان مـا أيقنـت أن الـصغار بحاجَـة إلـى طعـام، فأَحْـضَرَت الحَـ ب، وألْْقَـتْ بِـهِ فـي العـش ليَـأْكُلاهُ، فهـدأ ال ـصغَار قلـيلاً، وإن كـان تناولهمـا الحـب لـم يمنـع حُزَْنـهُمَـا علـى غيـاب أبويهمـا، فقـد غـاب عنهمـا المـرح والفـرح، ولـم تعـد تـسمع تغريدهما وغناءهما الذي تعودت عليه.
لقـد خَـيمَ الحُـزْنُ علـى العُـشّ، وقـضى الـصغار ليلـة حزينـة، وكـذلك كـان الأمر عند تـسنيم التـي باتـت مهمومـة حَزينـة فـي أَمْـرِ الـصغار ومـاذا أصـاب أبويهمـا، وحرصـت تـسنيم علـى أن تـستيقظ مبكـرًا حتـى تهـتم بالـصغار ،وتضَع لهما الحَ ب في العش، ولكنها لم تجد في العش سوى فَـرْخ واحد ،فأصابها الخوف والفَزع، وظلت تسأل نفسها: أيْنَ ذهب الصغير الآخـر؟!
فهـو لا يـستطيع أن يطيـر! فمـا زال ضـعيفًا .وعنـدما نظـرت أسـفل الـشجرةوجـدت الـصغير واقفًـا سـاكنًا لا يتحـرك، والخـوف يمْـلأ عينيـه، فأخذتـهوأحْضَرَتْ سُلمًا، وصَعِدَتْ إلى العش وَوَضَعَتْهُ بجانب أخِيـهِ، فـشعرت بأنـهاطمَأَ ن بعد خوف، وأيقنت تسنيم أنها مهما تعمل للصغار فلن تستطيع أن تعوضهما عن أبويهما، فالأمر ليس متعلقًا بالطعام والشراب، وإنما هو جو الأسرة من الحب والدفْء والحنان الذي افتقده الصغار بغياب أبويهما.
ونظرت تسنيم إلى الـسماء، وَدَعَـتْ أن يـرد للـصغار أبويهمـا حتـى تعـود لهما الفرحة التي حُرَِما منها ويعـود لهـذا العـش الأمـن والـسلام اللـذان كانـا ينعمان بهما في ظل الأسرة، ومع غـروب الـشمس واقتِـرَاب الليـل توضـأتْ تَـسْنيم وصـلت ركعتـين ﷲ تعـالى لعـل اﷲ يُـفَـرج بهمـا كَـرْبَ الـصغار وُيُعِيـد إليهمـا أبويهمـا الغـائبين عنهمـا منـذ الليلـة الماضـية، ولـم تكـد تـسنيم تفـرغ من صلاتها حتى شعرت بحركة غير عادية في عش الصغار، فأسرعت إلـى ال ـشرْفة، فوجـدت الأبـوين قـد عـادا إلـى الـصغار، وعـادت معهمـا الفَرحَـة والسعادة، وعاد الصغار للغناء والمَرَح واللهْو في العش، وابتسمت تسنيمابتـسامة عري ـضة ورفَـعَ ـتْ يَ ـدَيْـهَا للـسماء، وقال ـت: الحم ـد ﷲ، ونظ ـرتللعـش، وقالـت للأبـوين: حمـدًا ﷲ علـى عَوْدَتِكُمَـا سـالِمَيْن! وذهبـت لتنـامقريرة العَيْن، مُطْمَئنة القَلْب على الصغار وعش اليَمَام .