ان الخلود ليبس قاصرا على بنى البشر ولكنه يمتد ليشمل أشياء أخرى في الحياة وان كان التاريخ يخلد اشخاصا لبطولاتهم وأعمالهم أو لما قاموا به من دور بارز فى تاريخ بلادهم او لما شادوه من عمائر لا زالت تخلد أسماءهم فإن التاريخ كذلك خلد أشياء أخرى ليس لبطولاتها وأعمالها وإنما لما ارتبط بها من أحداث كان لها أثرها في تغيير مجرى التاريخ ومن هذه الأشياء الرسائل والتي تنوعت أشكالها كما تنوع مضمونها فالبعض منها كان يشيرا بنصر وفتح وبعضها الآخر كان تدبيرا وتهديد أو وعيد أو البعض الآخر يحمل طلبا لنجدة أوغوث كما كان بعضها يحمل دعوة صادقة إلى الهدى والحق وكان لبعض هذه الرسائل ردودا بعضها كان قويا زرع الرعب في نفوس الاعداء وبعضها كان ضعيفا شجع الأعداء على الوثوب على الامة وتمزيق أوصالها
ويأتي على رأس هذة الرسائل تلك الرسائل الست التي بعث بها الرسول (ص) إلى ملوك العالم في تلك الفترة ويأتي على رأس هذه الرسائل رسالته (ص) إلى هرقل ملك الروم يدعوه الى الاسلام وكان نصها كالآتي “بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدىأما بعد فاسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن ابيت اثم الاكارين عليك” ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيتار بينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بضعنا بعضا اربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون
ورغم علم ملك الروم واتباعه واساقفه النصارى بصدق النبي (ص) الا انهم ابو ان يتبعوه استكابا منهم ان يتبعوا رجلا من العرب وظلوا على ضلالهم وغيبهم
أما الرسالة الثانية التي بعث بها النبي (ص) فكانت الى كسرى ملك الفرس ونص الرسالة “من محمد بن عبد الله ورسوله الى كسرى عظيم فارس بسم الله الرحمن الرحيم سلام على من اتبع الهدى وامن بالله روسوله وشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وادعوك بدعاء الله فاني أنا رسول الله إلى الناس كافة لا تدر من كان حيا وبحق القول على الكافرين فان تسلم تسلم وإن أبيت فان اثم المجوس عليك فلما قرأ كسرى الرسالة مزقها فلما بلغ ذلك الرسول (ص) قال: “مزق الله ملكه” وصدق الرسول (ص) فقد مزق المسلمون ملكه .
وهناك رسالة أخرى بعث بها الرسول (ص) إلى المقوقس حاكم مصر جاء فيها “بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام فاسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد الا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا اربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ” محمد رسول الله”
ولقد احسن المقوقس استقبال كتاب الرسول (ص) وبعث الى الرسول بهدايا من القباطى والعسل وجاربة قبطية اسمها مارية تزوجها الرسول وأنجب منها ولده إبراهيم
إن رسائل الرسول (ص) تمثل أهمية كبيرة في التاريخ لانها تعبر عن عالمية الدعوة الإسلامية وقوتها فلم يهاب الرسول هؤلاء الملوك وبعث إليهم بما فيه خيرهم وخير أممهم .
ومن الرسائل الهامة فى التاريخ تلك الرسالة التي بعث بها الخليفة عمر بن الخطاب للقائد عمرو بن العاص أثناء خروجه لفتح مصر والتي كان نصها ” من عمربن الخطاب إلى عمرو بن العاص أما بعد فإنك إن سرت إلى مصر ومن معك وبها جموع الرومى ومن معك نفر قليل ولعمرى لو نكل بما سرت بهم فإن لم تكن قد بلغت مصر فارجع …”
وترجع أهمية هذه الرسالة فى أن عمرو بن العاص لو قرأ هذه الرسالة قبل دخوله مصر لعاد ولم تم فتح مصر في ذلك الوقت وعلى الرغم من أن رسول الخليفة قد لحق لعمرو بن العاص قبل دخوله مصر إلا أن عمرو بن العاص لم يلتفت إلى الرسول وتقاعس عن مقابلته واستلام رسالته حتى دخل مدينة العريش وتأكد أنه داخل حدود مصر وعندها قرأ الرسالة .
كذلك من أشهر الرسائل التي خلدها التاريخ وأصبحت كامنة في ذاكرة نيل مصر تلك الرسالة التى بعث بها الخليفة عمر بن الخطاب لنيل مصر وطلب من عمرو بن العاص أن يلقيها في النيل وذلك بعد أن تأخر فيضان النيل ورفض عمرو بن العاص ما كان يفعله المصريون من القاء جارية فى النيل حتى يرى مائة وكان نص هذة الرسالة ” من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد فإن كنت إنما تجرى من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك وان كنت ، نما تجرى بامر الله الواحد القهار وهو الذي يجريك فسال الله تعالى ان يجريك .
وتم القاء الرسالة فى نهر النيل فاصبحوا يوم السبت وقد اجرى الله النيل ستة عشر زراعا في ليلة واحدة وكانت لهذه الرسالة الاثر الاكبر فى ابطال عادة القاء الجوارى الابكار فى نهر النيل .
ومن الرسائل الخالدة التي كان يملئها الغرور والغطرسة والجهل التام ابقوة الاخر تلك الرسالة التي بعث بها تقفور ملك الروم والذي تقض عهده مع هارون الرشيد وارسل رسالة حمقاء الى الخليفة جاء فيها “من تقفور ملك الروم الى هارون ملك العرب اما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي اقامتك مقام الرخ واقامت نفسها مقام البيدق فحملت اليك من اموالها ما كنت حقيقا بحملة امثاله اليها وذلك من ضعف النساء وحمقهن فاذا اقرات كتابي هذا فارد الى ما حملته اليك من الاموال واقتد نفسك به مالك فالسيف
ولقد كنت تلك الرسالة الحمقاء سببا في غضب الخليةف هارون الرشيد حتى ان احدا من جلسائه كان لا يستطيع ان ينظر لايه او يخاطبه وفي الحال اعد رسالة يرد بها لعى رسالة نقفور تحمل رسالة هارون الرشيد معاني القوة والحزم الذان يعبران بلا شك عن قوة اللاخفة الاسلامية فى ذلك القوت وجاء في الرسالة ما نصه “بسم الله الرحمنالرحيم من هارون امير المؤمنين الى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون ما تسمعه والسلام” ونفذ الرشيد وعدة ووعيدة وغزا بلاد الروم وهزم نمقفور الذي عرض على الخليفة هارون دفع الجزيرة له فرض الرشيد بذلك منه ويبدد من رسالة هارون الرشيد مدى ثقته بنفسه وامانه وقوته .
ومن الرسائل الجميلة فى التاريخ الاسلامي رسالة استعطاف بعثت بها السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد الى الخليفة المأمون بعد مقتل ابنها الامين فبعثت ال المامون هذه الرسالة تستعطفه وتستحمه وتدعوه ان يصفح عما فات وكان نص الرسالة ” كل ذنب يا امير المؤمنين صغير في جنب عفوك وكل ذلك وان جل حقير عند صفحك وذلك الذي عودك الله فاطال مدتك وتمم نعمتك وادام بك الخير ورفع بك الشر هذه رقعه الوالة (الشديد الحزن لفقد ولدها) التي ترجوك في الحياة لنوائب الدهر وفي الممات لجميل الذكرفإن راسيت ان ترحم ضعفي واستكانتي وقلة حيلتي وان تصل رحمي وتحتسب فيما جعلك الله له طالبا رفيه راغبا فافعل وتذكر من لو كان حيا لكان شفيعي اليك”
ومن رسائل التهديد والوعيد ناخذ رسالة لويس التاسع ملك فرنسا الى الصالح نجم الدين ايوب في حصارة لدمياط وكان نص الرسيالة ” انا نقتل العباد وندوس البلاد وظهر الارض من الفساد فان قابلتنا بالقتال اوجبت على نفسك النكال ورميت رعيتك في اسرالوبال فسيكثر فيهم لعويل حيث لن نرحم عزيزا ولا ذليلا “
تلك رسالة لويس التاسع التي يملئها الغرور ويفوح من كلماتها رائحة العطرسة والاستعلاء والتي دائما ما تغلب على نظرة الغرب الى الشعبو بالشرق ولكن رد الملك الصالح الذي كان يعاني من المرض الشديد ـ كان ردا حاسما وقويا نصه “انت تهددنا بجيوشك وابطالك وخيلك ورجالك الا تعلم اننا نحن ارباب الحتون وفضلات السيوف ما نزلنا على الحصن الا هدمناه فاذا اتاك كتاب هذا فلتكن منه بالمرصاد على اول سورة النحل واخر سورة (ص) اما اول سورة النحل فيقول الله عز وجل جاء امر الله فلا تستعجلوه ” وأما آخر سورة (ً) فيقول سبحانه وتعالى “ولتعلمن نبه بعد حسين “لقد كان هذا رد الملك الصالح على الملك المتغطرس لويس التاسع رد كله ثقة في نصر الله وفي انتصار العدل والحق ودحر الظلم والعدوان ورغم وفاة الملك الصالح الا انه يحقق النصر وهزم الفرنسيون والقى القبض على لويس التاسع وقيد بالسلاسل وسجن في دار ابن لقمان ولقنه المسلمون درسا قاسيا لن نساه التاريخ
ومن رسائل التهديد والوعيد القوية التي حفرت لها مكانا في ذاكرة التاريخ البشري تلك الرسالة القوية التي بعث بها التتار الى قطز ملك مصر والتي كانت بمثابة انذار قوى شديد اللهجة يبعث به هولاكو الى قطز وكان نص الرسالة “يعلم الملك المظفر وسائر امراء دولته واهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الاعمال انا نحن جند الله في ارضه خلقنا من سخطه وسلطه على من حل به غضبه فاتعظوا بغيركم فنحن ما ترحم من بكى ولا نرق لمن شكا فلا تطيلوا الخطاب واسرعوا برد الجواب قبل ان تضرم الحرب نارها وترمى نحوكم شرارها فأي ارض تأويكم واي طريقة تنحيكم واي بلاد تحميكم فما من سيوفنا خلاص لاو من مهابتنا مناص فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وعدونا كالرمال فقد انصفناكم اذ راسلناكم وايقظناكم اذ حذرانكم فام بقى لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعليكم وعلى من اطاع الهدى وخشى عواقب الردى واطاع الملك الاعلى “
ان رسالة التتار في غاية الغلظة ويتفق نصها تماما مع غلظة قلوب التتار قووة باسهم وبطشهم رسالة يهتزمن يقرأها رعبا وفزعا لاسيما اذا كانت هذه الرسائل مقرونة بالفظائع والمذابح البشعة التي ارتكبوها في البلاد التي استولوا عليها ولكن الرد على هذه الرسالة جاء قويا من قطز ذلك البحل الذي صدق ما عاهد الله عليه فلم يهب كلمات الرسالة ومزقها بسيعه وقتل سفراء التتار وعلق رؤسهم على باب زويلة فاصاب التتار بالفزع والخوف والرعب منه قبل ان يلاقوه ..
كذلك هناك من الرسائل ما كان يحمل بشرى بنصر مثل تلك الرسالة التي بعث بها توران شاه بن الملك الصالح لنائب السلطنة على دمشق جمال الدين بن يغمور وكانت الرسالة تحمل بشارة الانتصار على الصليبيين ببعادة لويس اتاسع ملك فرنسا وكان نصها “الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن وما النصر الا من عند الله ويومئذ يفرح المؤمنون ينصر الله بنصر من يشاء وهو العزيز الرحيم واما بنعمة ربك فحد وان تعدو نعمة الله لا تحصوها فبشر المجلس السامي الجمالى بل فبشر الاسلام كافة بما من الله به على المسلمين من الظفر بعد والدين فإنه كان قد استفحل امره واستحكم أمره شره ويسئ العباد من البلاد والاهل والاولاد فنودوا ” لا يتاسوا من رحمة الله ” ولما كان يوم الأربعاء فتحنا الخزائن وبذلنا الاموال وفرقنا السلاح وجمعنا العربان المطوعة واجتمع خلق لا يحصيهم الى الله تعالى فجاء من كل فج عميق ولما راى العد
ذلك ارسل بطلب الصلح على ما وقع عليه الاتفاق بينهم وبين الملك العادل ابو بك فابينا ولما كان الليل ولو هاربين الى دمياط فرسنا في اثرهم طالبين وما زال السيف يعمل فيهم ويدخل عليهم الخزى والذل والعار والويل فلما أصبنا نهار الاربعاء قتلنا منهم ثلاثين الفا غير من القى بنفسه في اللج أما عن الاسرى فحدث عن البحر ولا حرج والتجأ الفرنسيون الى الميناء وطلب ملكهم لامان فأمناه وأخذنا وأكرمناه وتسلمنا دمياط بعونه وقوته وجلاله وعظمته .
وهناك نوع آخر من الرسائل خلدها التاريخ ربما لغرابة هذه الرسائل وغرابة الهدف منها تلك الرسائل عرفت برسائل الاستنابة حيث ان ملوك نمرناطة كانوا لا يقدرون على السفر الى المشرق لقضاء فريضة الحج لانهم كانوا يخشون ان يقع المكروه في غيابهم الطويل عن المملكة وان ينتهز الاسبان الفرصة للقيام بالهجوم على غرناطة ومن ثم فقد ابتدعوا فكرة الاستناة وذلك عن طريق توجيه الرسائل الملوكية الى الضريح النبوي الشريف ولقد كتب الوزير لسان الدين بن الخطيب الى التربة النبوية رسالتين الرسالة الأولى كتبها عن السلطان يوسف ابى الحجاج الذي حكم الاندلس من سنة 753 هـ الى 793 هـ والرسالة اية فى البلاغة ورقة فى التنويل النبوي الذي يذيب دموع العين ماثرا وخشوعا .
ونص الرسالة ” استنبت رقعتي هذه اليك لتطير بجناح خافق وتشعر نيتي التي تصحبها برفق مرافق ليؤدي عن عبدك ويبلغ ويعفر الخرف نزبك ويمرغ ويطيب بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك ويقف وقوف الخشوع والخضوع تجاه تابوتك ويقول بلسان التملق ارحم غربتي وانقطاعي وأغمر بطولك قصر باعي وقابل بالقبول نيابتي وعجل بالرضا اجابتي هذة يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ومن يجعل بيده اختياره فإن لم تكن هذه للقبول أهل وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل وإذا كان الب يتوارث كما اخبرت والعروق تدسس حسبما اليه أشرت فلى بانتسابي الى سعد عميد انصارك مزية ووسيلة اثيرة حفية فلا تنسى ومن بهذه الجزيرة التي افتتحت بسيف كلمتك عى أيدي خيرأمتك .
لقد كان الهدف من هذه الرسائل التي كانت ترسل الى التربة الشريفة هو أنها كانت تقوم بالنسبة لمرسليها مقام أداء الزيارة وقضاء فريضة الحج .
وبعد فتلك بعض من الرسائل التي حفرت لها مكانا في ذاكرة التاريخ الانساني ولا شك أن هناك الكثير من الرسائل الأخرى بعضها معلوم لنا والبعض الأخرلا نعلم عنه شيئا لأنها كانت رسائل سرية أو شفهية كما أن بعض الرسائل قد وصل إلى هدفها وأدت دورها وبعضها الآخر لم يقدر له أن يصل إلى هدفه ولكن تبقى الرسائل بصفة عامة على جانب كبير من الأهمية في التاريخ الإنساني لما لعبته من دور في حياة الأمم والشعوب .