هو أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري، قد اشتمل على جمل الصناعة الطبية، واطلع علي محاسنها الجليلة والخفية، وكان أوحد زمانه في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها، واختلاف أسمائها وصفاتها، ويحقق خواصها وتأثيراتها، ومولده كان في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بمدينة صور، نشأ بها وانتقل عنها([1])، زار الصوري مدينة بغداد، وانتقل إلى القدس حيث اشتغل في بيمارستانها الذي شيده صلاح الدين الأيوبي، ومارس في القدس طب العيون والصيدلة، إلى أن استصحبه معه إلى مصر الملك العادل محمد بن أيوب، ونال رشيد الدين الصوري مكانة رفيعة عنده، وبعد موت العادل دخل الصوري في خدمة المعظم عيسى، ثم في خدمة الناصر داود، وفي نهاية المطاف استقر الصوري في دمشق حيث توفي بها([2]).

وللصوري باع كبير في علم الوصف والحصر النباتي؛ فقد درس نباتات الشام دراسة رائدة من بذرة كل نبات حتى عند جفافه ويبسه([3]).

وكان رشيد الدين يصطحب معه عند خروجه لمعاينة النبات في منبته مصورًا ومعه الأصباغ والأوراق، فيشاهد النبات ويحققه، ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار لونه وأغصانه وأصوله فيصوره ويجتهد في محاكاته، أثناء مراحل نموه المختلفة، حتى يمكن للناظر التعرف على الدواء الواحد في أطواره المختلفة، فيكون تحقيقه له أتم ومعرفته له أبين([4]).

وكان رشيد الدين الصوري قد درس وهو بالقدس الأدوية المفردة على يد الشيخ أبي العباس الجياني الذي أطلعه وهو بالقدس على خواص الأدوية المفردة ليعرف فوائدها ومصادرها، وبخاصة الأدوية النباتية منها([5]).

ولقد أحصي ابن أبي أصيبعة في كتابه مؤلفات رشيد الصوري، فذكر من هذه المؤلفات وهو كتاب «الأدوية المفردة، وهذا الكتاب بدأ بعمله أيام الملك المعظم وجعله باسمه، واستقصى فيه ذكر الأدوية، وذكر أيضًا أدوية اطلع على معرفتها ومنافعها لم يذكرها المتقدمون». وأضاف ابن أبي أصيبعة: «أن الصوري كان يأخذ معه مصورًا يُرِيه النبات في إبان نباته وطراوته فيصوره، ثم يريه أيضًا وقت كماله وظهور بذره، فيصوره تلو ذلك، ثم يريه إياه أيضًا في وقت ذبوله ويبسه، فيصوره فيكون الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه في الكتاب، وهو على أنحاء ما يمكن أن يراه في الأرض، فيكون تحقيقه له أتم، ومعرفته له أبين»([6]).

لقد وصف الصوري في كتابه 585 عقارًا منها 416 عقارًا نباتيًّا و75 عقارًا معدنيًّا، 44 عقارًا حيوانيًّا، وقد زود الصوري كتابه بالصور والرسوم الملونة، ويعد هذا الكتاب أول كتاب مصور في علم النبات.

وللصوري كتاب آخر هام في علم النبات هو كتاب النبات، وبه رسوم النبات التي كان يشاهدها في جبل لبنان، وكان يصفها ويذكر منافعها، ومن بينها نباتات لم يرد ذكر لها في كتب السابقين من علماء النبات المسلمين، وللصوري كذلك كتاب الرد على التاج للغاوي والأدوية المفردة. وله تعاليق وفوائد ووصايا طبية أهداها لابن أبي أصيبعة([7]).