عاش عثمان في قرية صغيرة على ضفاف نهر النيل يعمل الكثير من أهلها في زراعة الأرض، وكان عثمان يعيش مع والديه في منزل جميل تحيط به حديقة غرَسَ فيها والِدُهُ الكثير من أنواع الزهور والرياحين، وكان عثمان يحرص على العناية والاهتمام بزهور حديقة منزله، وكان يدعو أصدقاءه إلى منزله، ويجلس معهم في الحديقة يلعبون ويمْرَحُون  .

وفي يوم من أيام الشتاء حيث البرد الشديد خَرَجَ عثمان مع أصحابه لشراء بعض الطعام من أحد دكاكين القرية، وفي طريق عودتهم شاهَدَ كوخًا بسيطًا فسأل أصحابه: لمن هذا الكوخ؟ فقالوا: إنه لسيدة عجوز تعيش فيه، نظر عثمان إلى الكوخ وأطال النظر، ثم نادى عليه الأصدقاء لينصرفوا؛ لأن البرد شديد، والأمطار بدأت تنزل بغزارة، ورغم ذلك ظلت عينَا عثمان على كوخ العجوز حتى غاب عن أنظاره. وعندما عاد إلى بيته وَجَدَ أمه في انتظاره لتعاتبه على خروجه من المنزل في هذا الجو القارس البرودة، وكانت تحدثه وهو شارد الذهن يُـفَ كر في أمر العجوز والكوخ، أعطته أمه كوبا من اللبن الدافئ، وطلبت منه أن يذهب إلى سريره ليخلد إلى النوم، ووضعت عليه غطاءً ثقيلاً حتى يشعر بالدفء في هذا البرد القارس، ولكن عثمان لم يستطع النوم في هذه الليلة، فظلت عيناه عالقه بالكوخ، وظل عقله يُـفَ كر في أمر العجوز، وكيف تعيش بمُفْرَدِهَا في هذا الكوخ البسيط في هذا الجو القارس البرودة؟!

وكيف تنام؟ ومن يرعاها؟ ومن يجلب لها الطعام والشراب؟ ظل عثمان على هذا الحال حتى مطلع فجر اليوم التالي، وقام من نومه، وَتَـوَ ضأَ، وذهب إلى المسجد ليصلي الفجر، وبعد الصلاة وجد قدَمَاهُ تحملاه إلى كوخ العجوز.

وطرق باب الكوخ وسمع صوًتًا ضعيفًا من داخل الكوخ يَـردّ:

مَنِ الطارق؟ فأجاب: أنا عثمان، وفتحت العجوز الباب، فوجد عثمان أمامه امرأة تجاوزت الثمانين مِنْ عمْرها تتوكأ على عصاة وهي تَـرَاهُ بالكاد وتتَحَرك بصعوبة، وخطواتها ثقيلة، وعندما نظر داخل الكوخ لم يجد به سوى كوب وطبق صغير، وبعض كسرات الخبز، وغطاء خفيف لا يرد عنها برد الشتاء، وأطال عثمان النظر في الكوخ فلم يَجِد به ما يُعِين هذه السيدة العجوز على الحياة ،فسألها عثمان: ألا تحتاجين إلى شيء؟ قالت: نعم، أريدك يا بني أن تملأ هذه الجرة بالماء، فأنا كما ترى لا أستطيع الخروج من الكوخ ولا السير حتى النهر، وأريد أن أشرب، فقال لها: أحضري الجرة ،وذهب بها عثمان إلى النهر وملأها بالماء، وأحضرها للسيدة العجوز، فقالت له: جزاك اﷲ عنى خيرًا، ثم أغلق عثمان باب الكوخ على العجوز الذي شعر منذ تلك اللحظة أنه أصبح مسئولاً عنها، وعندما عاد إلى منزله كان في حزن وضيق، حتى إن أمه سألته: ما بِكَ يا بني؟ فأخْبَـرَهَا بأمر السيدة العجوز التي تسكن الكوخ خارج القرية، وكيف تعيش هذه المسكينة في مثل هذا الكوخ، وقد هرمت وضعف بصرها وأصابها المرض والوهن!!

فعرضت عليه أمه أن يساعدها إذا أراد، وأن يأخذ من المنزل ما يُمْكِنُ أن يُـهَونَ عليها ويجعلها تعيش في راحة وأمان.

وعندما أشرقت الشمس أخَذَ عثمان من منزله غطاءً ثقيلاً وسجادة وبعض الأطباق، وذهب بكل ذلك إلى الكوخ، وطَرَقَ الباب، وفتحت له السيدة، ودخل وطلب منها أن تخرج مِنَ الكوخ قليلاً وتجلس في الشمس المشرقة حتى يُـنَظفَ الكوخ وَيَـفْرش السجادة، وفعلاً خرجت السيدة وجَلَسَتْ أمام الكوخ، وَنَظفَ عثمان الكوخ ووضع السجادة على الأرض، ثم خرج إلى سوق القرية واشْتَـرَى لها طعامًا، وجلس معها بعض الوقت حتى اطمَأَ ن عليها. وعندما هَم بالذهاب رفَـعَتِ العَجُوز يدَهَا إلى السماء تقول:

اللهم اجْزِ عُثْمَان عَني خيرَ الجزاء، واجعل ما يفعله معي في ميزان حسناته.

وخرج عثمان وعاد إلى منزله وهو مُطْمَئِنّ على العجوز، وفي الليل كان يخرج من بيته في هذا البرد القارس حتى يطمئن على أحوالها وُيُـرَاقب الكوخ من بعيد. شَعَرَ عثمان أنه بهذا العمل قد أرضى ربه وضميره، وعندما ذهب إلى فراشه استطاع أن ينام ويستريح بعد أن ا طمأن على العجوز وعلى أحوالها.