المحتوي
وفي داخل مدينة الأسرة الحاكمة والبديلة للمدينة الحقيقية “الفسطاط” شيد جوهر قصرا تنفيذا لتوجيهات الخليفة المعز, تم توسيعه فيما بعد وحين قام الخليفة العزيز بالله (975-996) ببناء قصر أخر سمي القصر القديم “القصر الكبير” أو “القصر الشرقي” وأصبح مقرا لإقامة الخلفاء وقام جوهر أيضا بتشييد جامع الأزهر (970-972) في جنوب هذا القصر ليكون مركزا للدعاية الشيعية في مصر.
القصر الشرقي الكبير
واختط جوهر أيضا، قصرا كبيرا لإقامة المعز عند قدومه إلى مصر، وكان يقع بالقرب من السور الشرقي، ولذا أطلق عليه اسم القصر الشرقي الكبير، وكل ما
نعلمه عن ذلك القصر مستمد من المصادر التاريخية، إذ لا أثر اليوم، وكان يمتد
من الموضع الذي يوجد به المشهد الحسيني الآن إلى الجامع الأقمر تقريبا، وكانت له تسعة أبواب.
ففي الناحية الشرقية كانت توجد أبواب العيد، والزمرد وقصر الشوك، وفي الناحية الغربية كانت توجد أبواب البحر والذهب والزهومة، وفي الناحية القبلية كانت توجد أبواب تربة الزعفران والديلم، وفي الناحية البحرية كان يوجد باب واحد هو باب الريح.
وكانت أسماء هذه الأبواب تدل على معان خاصة، فسمي
باب العيد
كذلك، لأنالخليفة كان يخرج منه في يومي العيد إلى المصلى التي كانت خارج باب النصر، وموضع هذا الباب اليوم بشارع قصر الشوك، وباب الزمرد: كان يتوصل منه إلى القصر الزمرد، وموضعه اليوم بشارع حبس الرحبة بالجمالية
باب البحر
كان يخرج منه الخليقة عندما يقصد التوجه إلى شاطئ النيل بالمقس وموضعه اليوم مدخل حارة القاضي تجاه جامع الملك الكامل بشارع بين القصرين
بابا الذهب
كانت تدخل منه المواكب وجميع رجال الدولة وكان تجاه البيمارستانالمنصوري
وباب الزهومة
وسمي كذلك لأنه كان باب مطابخ القصر، فتمر منه اللحوم وحوائج الطعام، فتتبعت منه رائحة اللحوم، وكان يتوصل من باب قصر الشوك إلى القصر المسمي بهذا الاسم (قصر الشوك) وموضعه الآن مدخل عطفة
القرازين بدرب القزازين
وباب التربة
وكان يتوصل منه إلى مقابل الخلفاء التي كانت بداخل القصر، وموضعه الآن وكالة القطن بسكة البادستان بخان الخليلي
وباب الريح
ويظهر أنه سمي كذلك لهبوب رياح الشمال الرطبة من خلاله، ولوقوعه في الواجهة البحرية للقصر، وموضعه الآن وكالة سالم وسعيد بازرعة بشارع التمبكشية بجوار جامع جمال الدين، وباب الديلم: وكان يدخل منه إلى المشهد الحسيني من شرقيه، ويقع اليوم تجاه الباب الأخضر الشرقي للمشهد المذكور.
القصر الغربي الصغير
وشيد العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله قصرا آخر، غربي القصر الكبير، لذا سمي بالقصر الغربي الصغير، ويشغل مكانه اليوم مستشفى قلاوون للرمد، وكل المساكن التي تجاوره إلى شارع الخليج، لذا عرف أيضا بقصر البحر بالإضافة إلى اسم القصر الغربي، وكان يشرف على البستان الكافوري، ويتحول إليه الخليفة من البركة التي كان يقال لها بطن البقرة ومن البستان المعروف بالبغدادية، وغيره من البساتين التي كانت تتصل بأرض اللوق وجنان الزهري.
وكان بين القصر الشرقي والقصر الغربي فضاء متسع، يقف فيه عشرة آلاف من العساكر، ما بين فارس وراجل، يطلق عليه ما بين القصرين، كما كان يصل القصرين سرادي تحت الأرض، يسلكه الخليفة ممتطيا بغلته، عندما ينتقل من القصر الشرقي إلى القصر الغربي، متخفيا عن أعين الناس.
وقد حشد الخلفاء الفاطميون في هذا القصر من التحف والطرائف ما لا يكاد يصدقه العقل، وقد جمعوا كل ذلك في خزائن، كان بعضها في داخل القصر، والبعض الآخر في مبان ملحقة به، وكان يقوم على حفظها، والعناية بمحتوياتها خدم وموظفون، اختصوا بهذا العمل وحده، وقد وصف المقريزي في خططه تلك
الخزائن ومحتوياتها وصفا مسهبا، ومن هذه الخزاين: خزائن السلاح، وخزانة.
وأكبر ابواب هذا القصر وأجملها هو باب الذهب الذي كان ينفتح على منتصف الواجهة الغربية وكانت قوائمه مصنوعة من سبائك الذهب (رحي الطواحين)
التي أحضرها جوهر معه من أفريقيا (شمال أفريقيا) ويفضي هذا الباب إلى بعض قاعات القصر الرئيسية عبر ممر مقبب طوله 30مترا, وعلى الأرجح أن خط الواجهة الغربية (طولها 345مترا) كان يقع على مسافة حوالي 25مترا إلى الوراء من شارع المعز لدين الله الحالي الذي يحتل موقع ميدان بين القصرين ولم يكن بالواجهة الشمالية سوى باب الريح الذي كان يدخل منه التلاميذ والمشايعون للاستماع إلى “داعي الدعاة” وظل هذا الباب قائما حتى عام 1408
وقد شاهده المقريزي أما بالنسبة للواجهة الشرقية فقد وصفها المقريزي لكن بطريقة أقل تحديدا لأنها كانت قد تهدمت وتحولت إلى أنقاض منذ وقت مبكر عندما تم التخلي عن القصر, وكان باب الزمرد يفضي إلى قصر الزمرد مقر إقامة الخليفة وعلى الواجهة الجنوبية نجد باب الديلم الذي يفضي إلى صرح أصبح فيما بعد المشهد الحسيني حيث وضعت رأس الحسين (ابن علي المتوفي عام 680 في معركة كربلاء بالعراق) والتي تم العثور عليها في عسقلان بفلسطين وتم اتفاق مع الإفرنج الذين سمحوا بإحضارها إلى مصر عام 1153 ويفضي باب تربة الزعفران إلى الضريح الذي تم تشييده هناك كمدفن للفاطميين وحين شيد خان الخليلي فيما بعد على هذا الموقع نقلت العظام في سلال ثم ألقيت فوق تلال الأنقاض شرقي المدينة كعلامة على الاحتكار ويرى المقريزي أن موت الأمير جهاركس الخليلي في دمشق الشائن كان قصاصا من السماء بسبب مسئوليته عن هذا العمل إذ يقول: “قتل الخليلي.. وترك على الأرض عاريا وسوءته مكشوفة وقد انتفخ إلى أن تمزق وبلي عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وأبنائهم.
وكان القصر الشرقي الكبير يضم عدة مباني مشيدة وسط البساتين حيث تمارس حاشية الخليفة حياتها اليومية الباذخة وكان كاتب الحوليات الأوروبي غليوم دوتير
قد شاهد هذه البساتين حين التقى مع أخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله عام 1167 وقد وصفها بقوله: بعد مرورنا في دهاليز طويلة ضيقة ومقببة حيث لا نبصر شيئا وصلنا نحن الإفرنج إلى فناء مكشوف محاط بأروقة رائعة ذات صفوف من الأعمدة المزخرفة بالذهب والمرصوفة برخام متعدد الألوان. ثم يضيف: “كان المنظر ممتعا وشيقا للغاية لدرجة أنه لابد للإنسان الأكثر انشغالا من أن يتوقف في أماكن عديدة وفي المنتصف توجد نافورة ذات أنابيب مصنوعة من الذهب والفضة تجلب المياه الصافية للغاية من جميع الاتجاهات .. وترى العين هنا وهناك أنواعا لا متناهية من الطيور ذات الألوان النادية التي تحلق من حولنا .. لقد أحضرت هذه الطيور من مختلف أنحاء الشرق ولا يملك أي إنسان إلا أن يتعجب لمشاهدتها.
وفي بستان أخر أكثر ثراء شاهد دو تير ورفاقه الإفرنج معرضا للوحوض ذوات الاربع وكانت وحوشا غريبة لدرجة أن من يصفها سيتهم بالكذب ويظل مقر إقامة الخليفة هو الأكثر روعة من بين جميع الأبنية ويصف دو تير القاعة الفاخرة والشاسعة التي فرد فيها فجأة بساط كبير مصنوع من خيوط ذهبية وحريرية من جميع الألوان والمرصع برسوم الناس والحيوانات والطيور والمتوهج بالياقوت الأحمر والزمرد وبآلاف الأحجار الكريمة وظهر الخليفة جالسا فوق مقعد من الذهب الإبريز الخالص والمزخرف بالفصوص الثمينة وبالأحجار الكريمة.
وكان يوجد بالقصر بالإضافة إلى بيت الذهب بيوت عديدة ومقار متنوعة منتشرة وسط البساتين لخدمة أفراد الأسرة الحاكمة وأفراد الحاشئة ولتلبية احتياجاتهم ويقدر الرحالة ناصر خسرو وعددهم ثلاثين ألف شخص, وكانت خزانة البنود التي تقع شرقي القصر هي الورشة التي يصنعون فيها الأسلحة وفي جنوب غربي القصر كانت توجد المطابخ حيث كان يخرج من باب زهومة مدة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع ألوان الطعام تفرق كل يوم على أرباب الرسوم (المستحقين) والضعفاء (الفقراء)” المقريزي. واتخذ باب القصر الكائن في ذلك المكان اسم باب زهومة أي باب روائح المطبخ لأنه من هذا الباب وحده كانوا يدخلون اللحوم وغيرها من المؤن عن طريق سرداب يصل بين القصر والمطابخ وقد ظل اسم هذا هذا الباب قائما في نفس الموقع حتى العصر الحديث, إذ يتضمن كتاب وصف مصر الذي وضع بعد مضي ستة قرون على سقوط الفاطميين إشارة إلى هذا الاسم بعد تحريفه قليلا “باب زومة” ويقول ناصر خسرو الذي كان مبهورا بكل هذه الروعة والأبهة أن خمسين شخصا كانوا يعملون بصفة دائمة في المطابخ حيث كان يصل كل يوم أربعة عشر جملا محملا بشحنات الثلج ويضيف الرحالة خسرو الذي أتيحت له فرصة زيارة قاعة الولائم في نهاية شهر رمضان عام 1049 بأنهم استخدموا خمسين ألف “من” من السكر لتزيين مائدة السلطان وأنه قد شاهد هذه القاعة “شجرة أعدت للزينة تشبه شجرة الترنج, كل غصونها وأوراقها وثمارها مصنوعة من السكر ومن تحتها ألف صورة وتمثال مصنوعة كلها من السكر أيضا
القصر الغربى
والقصر الثانى كان القصر الغربى وهو اصغر حجما وقد شيد بجوار جنينيه كافور وكانت مساحتها 35 فدان ومساحة القصر 30 فدان وكانت ملاصقة السور .
وكان عرض القصر 257 مترا وطوله حتى الخليج 465 مترا وعلى شماله كان يوجد ميدان وكان باب التباين يفتح عليه ومكانه حاليا شارع الخرنفش وكان الميدان اصلا اسمه ميدان الخرنفش وسبب هذه التسمية انه كان مبلطا بالحجر المدكوك وهو حجز محترق كان يطلق عليه الخرنفش او الخرشتف وكان بستلان كافور يقع غرب القصر ومكانه جامع الشعرانى والسكة الجديدة وكان يمتد شرقا
للنحاسين ، ويطل القصر على الخليج وجنينية كافور غربا وكان يظل شرقا على مساحة بين الصوران ، وكان ملحقا بالقصر الحمام ( حاليا مكانه حمام النحاسين ) بين مستشفى قلاوون والصاغة وكان الخليفة يعيش فى القصر بين الحريم وكان مقسما لعدة اجنحة وكان اسطبل الخيول جنوب جنينية كافور وكان يطلق عليه. اسطبل الجميزة وايام الخليفة العزيز بالله شيد قصر الذهب والديوان الكبير ومنظرة اللؤلؤة وكان قد اقيم عشرة قصور اطلق عليها جميعها القصور الزاهرة
وكان قصر الذهب به قاعتين قاعة الذهب وكانت قاعة العرش ايام العزيز بالله وقاعة الفضة لاستقبالات وكان قاعة العرش قد كسيت جدرانها بالذهب والفرش كان من الذهب الخالص المرصع بالجواهر لان العزيز كان مولعا بها ، وكان العرض فوق منصة من الذهب الخالص حولها اشجار النخيل من الذهب ومثقلة بالفواكه والازهار من الاحجار الكريمة وفوقها تماثيل طيور من الذهب ومزخرفة بالمينا .
وكان خليج امير المؤمنين غرب السور الغربى للمدينة وكان يعتبر خندقا ثالثا لها ، وكان السور الغربى باب القنطرة الذى يؤدى الى قنطرة الخليج ومن هذا الباب كان يخرج جوهر القائد وجنوده لمحاربة القرامطة الذين كانوا يغيرون على مسعكراته اثناء بناء المدينة .
وكان حراسة هذه القصور نحدها مائة من الفرسان على باب الذهب وبعد صلاة العشاء بالقصر الشرقى كان ينفخ فى البوق وتقرع الطبول والموسيقى لمدة ساعة ثم يغلق الباب ويعين حراس طوال الليل وتمد سلسلة لغلق ساحة بين القصرين ويمنع اى شخص من المرور ، وفى الصباح ينفخ فى البوق اعلانا عن يوم جديد وكان يعقد مجلس الخليفة بقاعة العرش للأمراء والعلماء وكبار رجال الحاشية مرتين اسبوعيا ثم انتقلت هذه الاجتماعات الى قصر الذهب فى عصر الحاكم بامر الله .
وايام المستنصر أقام وزيره بدر الدين الجمالى سورا ثانيا حول القاهرة وأصبحت مساحتها 400 فدان أقام شارعا من باب الفتوح الى الجنوب وأقام ابواب النصر والفتوح فى الشمال وباب زويلة وبوابة المتولى بالجنوب ، وهذه الابواب غير ابواب القاهرة المعزية وباب الشعرية بالغرب والذى سمى نسبة الى قبائل بنى الشعرية وباب زويلة نسبة الى قبائل زويلة وهذه القبائل من البربر بشمال افريقيا .
وكانت القاهرة المعزية مكونة من عدة حارات اطلق عليها اسماء القبائل والقواد الروم الذين جاءوا مع المعز وفى جيش جوهر فأطلق على الحارات اسماء القواد سعادة بن حيان الصقلى حيث اطلق على اسمه على حى سعادة وكان بجواره باب سعادة وريدان الصقلى اطلق اسمه على حى الريدانية وعطوف على حارة العطوف عند باب النصر وجودر الصقلى على حارة الجودرية قرب الازهر والحسن يانس على حارس اليانس .
اما حارات القبائل التى كان يسكنها جنود كل قبيلة فمنها حارة زويلة ( حارة اليهود حاليا) وحارة الروم الجنوبية بالغورية وكان يسكنها الصقالية وحارة الروم الجوانية حاليا بشارع الجمالية ، وحارة البرقية وكان يسكنها جنود برقة ( بشرق الحسين ) وحارة كتامة ( حاليا حارة الدودارى ) وحارة الديلم ( بجوار مسجد الفكهانى ) وكان الوزير يوسف بن كليس يسكن حارة الوزير .
اما حى الباطنية بالازهر فقد كان يطلق عليه الباطنية واصل التسمية ان جنودا كان يقنطون الحارة توجهوا الى بيت المال ايام المعز فقيل لهم المال نفذ ولم يأخذوا اعطياتهم فقالوا : رحنا فى الباطل لكن حى الباطنية وهى من طوائف الاسماعيلية الفاطمية التى تؤمن بأن للقرآن معانى ظاهرة وباطنة والمعانى الباطنية لا يعرفها سوى الامام فقط الشيعة ، وكانوا يسكنون حول الجامع الازهر لانه موئل عقيدتهم وقتها .
وكان بالقاهرة المعزية شارع رئيسى يطلق عليه قصبة القاهرة ، وهو يمتد من باب الفتوح الى باب زويلة بوابة المتولى وكان هذا الشارع لا يسير فى راكبا سوى الخليفة فقط على فرسه وماعداه كان يسيرا راجلا ويسمى هذا الشارع حاليا بشارع المعز ، وكان رسل ملوك الروم يلغوا باب الفتوح نزلوا عن خيولهم وساروا بالشارع على اقدامهم وكانت ابواب القاهرة لا تسمح بدخول اى شخص غريب الا وكان مأذونا له مسبقا بالدخول لهذا اطلق على المدينة القاهرة المحروسة وكان اى شخص مهما كان يفتش جيدا على الابواب وكان باب الفتوح باب المظالم فأى شخص كان له شكوى يقف عند باب ويستغيث بعفوا امير المؤمنين فيدخل الى القصر الكبير ويستغيث حتى ولو كان مذنبا فيغيثه المعز .
وشارع امير الجيوش حاليا يطلق على مرجوش كان يضم الجنود المرتاحية والفرحية ، وقرب شارع ام الغلام بالحسين كان يوجد حارة الصالحية وكان بخها حراس الوزير الفاطمى صالح رزيق ودرب الفزازين كان يسمى حارة ملخوية نسبة الى خادم الحاكم بامر الله .
وكان مسجد الحسين فى الاصل قصر الخلافة الفاطمية وقد دفن فيه رأسه بعد احضارها من عسقلان بفلسطين عام 549 هـ /1154 م ايام الخليفة الفاطمى الفائز
وكان الجنود المغاربة والسودانيين يسكنون خارج الاسوار بالمدينة فى شمالها وجنوبها بعيدا عن مناطق القصور ، لهذا كانت حارة الحسينية يسكنها العبيد الحسينية وتقع شمال باب الفتوح وعرفت فيما بعد بخط الحسيبة او حى الحسينية .
ومن اهم الانشاءات التى اقيمت ايام الفاطميين دار الحكمة ( دار العلم ) حيث اقامها الحاكم بامر الله عام 1005 م وكانت شرق القصر الصغير وتطل على ميدان القاهرة ساحة بين القصرين ولما تولى الايوبيون هدت الدار بالكامل وحل محنها درب الخضيرى والذى هدمه سليمان اغا عام 1040 وبنى مكانه قصره وسبيلة ناحية مرجوش بحارة برجوان .
وكانت دار الحكمة قد حمل اليها الحاكم الكتب من القصور والحق بها العلماء والادباء والشعراء وكانت مؤثثة أحسن تأثيث وبها قسم للنسخ ويقوم بخدمتها عمال مدربون وكان ينففق على الباحثين ومن بينهم ابن الهيثم وابن يونس المصرى وكانت تنافس بيت الحكمة ببغداد وفيها وضع ابن الهيثم نظرياته الشهرية فى الضوء والبصريات وقام بن يونس من خلال مرصده بحلوان بوضع الجداول الحاكمية وكان الحاكم قد اقام له مرصدا فوق جبل المقطم ، وكان له ابحاثه الرائدة فى الحساب والمثلثات .
وتعرضت دار الحكمة للنهب عام 1069 حيث انتزع الغوغاء اغلفة الكتب الجلدية وصنعوا منها نعالا واستخدموا الاوراق وقودا .
واشتهر العصر الفاطمى باقامة المناظر وكل منظرة كانت قصرا جميلا يرى الخليفه منه ما حوله وعند الجامع الازهر كان يوجد منظرة يطل منها المعز عليه فى الاحتفال بليالى الوقود الاربعة فى اول ومنتصف رجب واول ومنتصف شعبان وكانت تضاء بالتنانير ( الثريات ) والقناديل والشموع .
وكان على الخليج عدة مناظر تطل عليه وعلى البساتين عربة فمكان جامع الشعرانى كانت منظرة اللؤلؤة ومكان جامع المغربى فى بين السورين كانت منظرة الغزالة وعند فم الخليج كنت منظرة السكرة وكان الخليفة الفاطمى يشهد منها احتفال كسر السد وافتتاح الخليج ايام الفيضان وكان الخليفة بعد كسر السد ينتجة الى منظرة الدكة عند قنطرة الدكة حيث يسقى فرسه من الماء هناك .
وخارج باب الفتوح كان يوجد منظرة العرض العسكرى وكان يجلس بها الخليفة حيث يطل على الجنود وهم متوجهون للقتال من طاقة ويأمرهم بالسفر مع الدعاء لهم بالنصر وبنى الحاكم بامر الله منظرة المقسى على النيل قرب ميناء المقس( محطة مصر الان ) وبنى بجوارها جامعة ( مكان جامع الفتح ).
وكان الوزير الافضل الجمالى قد اقام مرصدا فلكيا فوق جبل الجيوشى قرب الامام الشافعى وكان ابوه بدر امير الجيوش قد بنى عام 1085 م جامع الجيوشى ، وبجوار المرصد اقيم مسجد الرصد عام 478 هـ /1085 م وايام المستنصر الفاطمى .
كان الفاطميون منعزلين داخل مدينتهم وكانوا فى دواوينهم يعتمدون على النصارىلا واليهود وكان الخليفة الفاطمى يتوارى خلف وزيره .
وشهدت شوارع القاهرة ايام الفاطميين مناحة كربلاء فى يوم عاشوراء وهى ذكرى مقتل الحسين حيث كان اتباعهم يسيرون فى الشوارع ويضربون انوفهم بالسيوف ويلطمون الخدود وكان هذا العمل مستهجنا من المصريين وقد جاء فريق من الدعاة الذين كانوا يتدربون ويدرسون بالجامع الازهر فلقد كان المصريون كارهين هؤلاء الفواطم لمذهبهم ولا سيما عندما كان يسب الصحابة من فوق المنابر ولا سيما ابا بكر وعمر وعثمان لانهم فى نظرهم قد سلبوا الخلافة من على بن ابى طالب وكان يعقوب بن كلس وزير العزيز يدرس هذا المذهب وكان يهودى الاصل وجعل كل المساجد فى مصر يلقى بها الفقة الشيعى الاسماعيلى الا انه كان منبوذا من المصريين اهل السنة ولا سيما بعد ما غير الفاطميون صيغة الاذان .
وشهدت القاهرة المعزية الحاكم بأمر الله الخليفة وكان يعانى من الانفصامية فى شخصيته فيروى شمس الدين الذهبى انه مر يوما بحمام الذهب بالفسطاط فسمع ضجيج النسوة وهن فى الحمام فأمر بأن يسد عليهم باب الحمام بالحجر الفضى حتى مات الجميع ومنه الناس من اكل الزبيب والعسل الاسود ومنع زراعة الملوخية والقرع والترمس واكل السمك الذى لا قشر له كالقراميط وفرض على الناس اغلاق حوانيتهم نهارا وفتحها ليلا .
وكتب السباب للصحابة على ابواب المساجد وابطل صلاة التروايح برمضان وادعى الربوبية فعند ما كان يمر بالاسواق يقف الناس ويهتفون يا واحد يا احد يا محى يا مميت .
وبعد مرور 120 سنة على انشاء القاهرة اقام بدر الجمالى السور الثانى لمدينة واقام به ابواب جديدة بناها بالحجارة وهى باب النصر والفتوح وزويلة ( بوابة المتولى ) الا ان بقية السور كان من الطوب اللبن وتعتبر هذه الابواب الثلاثة الشئ مازالت حتى الان سمة للعمارة العسكرية لانها توحى بانها قلاع طمست ابوابها .
وكان تولية بدر الجمالى للوزارة ايام المستنصر بالله الفاطمى وكان خليفة مستهتر وخليفة حكم مصر 60 سنة فلما ثار ضده جنوده وعاشوا بالقاهرة افسادا ونهبا للقصور الفاطمية والمكتبة وبيت الحكمة ، فاستدعى المستنصر الجمالى صاحب دمشق وعينه وزيره ، ولما قدم للقاهرة دعا القواد الترك لمأدبة بقصر الخليفة وجعل جنوده يقطعون رؤسهم اثناء تناولهم الطعام والقى بها فى بئر القصر ، ويعتبر الجمالى من أكفأ وزراء الخلافة الفاطمية رغم انه كان سنى المذهب عكس الدولة الفاطمية فقد كانت توجهاتها شيعية المذهب .1
. في قلب هذه المدينة نمت أول بذور العمارة الفاطمية، حيث وضع جوهر أساس السور المحيط بالقاهرة، والقصر الكبير الذي أعده لنزول الخليفة المعز، وقد تلاشى هذا القصر عقب سقوط الدولة الفاطمية، ولم يبق لنا منه سوى الوصف
الذي جاء في بعض المصادر التاريخية، ويفهم منه أنه كان يشتمل على تسعة أبواب وإنه كان يشغل مساحة تقرب من سبعين فدانا من جملة مساحة القاهرة
البالغة 340 فداناً وأنه كان يتألف من خطط وأحياء تخترقها الطرقات والمسالك
التي تقضي إلى أجزائه المختلفة فوق الأرض، أو في داخل السراديب المارة
تحت الأرض، وكانت تضيئه الرحبات الكبيرة غير المسقوفة، أو الأفنية الداخلية الصغيرة، ويفهم من الوصف الذي جاء بالمصادر التاريخية أن بعض السراديب
كان مظلما تماماً، وحسبنا دليلا على ذلك الوصف الفريد الذي وصل إلينا عن هذا
القصر عند زيارة رسولي الملك عموري (أملريك) للخليفة العاضد في سنة 562/1167م ليعقد معه باسم سيدهما، تحالفا قوامه أن يدفع الخليفة للصليبيين مائتي ألف دينار معجلة ، ومثلها مؤجلة، نظير دفاعهم عن مصر وصد الأعداء
عنها،وقد نقل لنا غليون رئيس أساقفة صور وصف هذه الزيارة، وعبر عن حماسة الرسولين وإعجابهما بعظمة ما رأياه بقوله: “وسار السفراء الفرن يقودهم الوزير شاور بنفسه إلى قصر له وونق وبهجة عظيمان، وفيه زخارف أنيقة نضيرة.. وجدوا في هذا القصر حراسا عديدين، وسار الحراس في طليعة الموكب، وسيفهم مسلولة، وقادوا الفرنج في دهاليز طويلة ضيقة، وأقبية حالكة الظلمة، ولا يستطيع إنسان أن يتبين فيها شيئا.. ولما خرجوا إلى النور اعترضتهم أبواب كثيرة متعاقبة، كان يسهر على كل منها عدد من الحراس المسلحين.. ثم وصل الموكب إلى فناء مكشوف، تحيط به أروقة ذات عمد وأرضيته مرصوفة بانواع من الرخام متعددة الألوان، وفيها تذهيب خارق للعادة بنضارته وبهائه، كما كانت ألواح السقف نزينها الزخارف الذهبية الجميلة.. وكان في وسط الفناء نافورة يجرى الماء الصافي منها في أنابيب من الذهب والفضة إلى أحواض وقنوات مرصوفة بالرخام.. وكانت ترفرف في الفناء أنواع لأحد لها من الطيور الجميلة، ولم يكن أحد يرى هذه الطيور دون أن تصيبه الحيرة والدهشة إعجاباً بها… ومن هذا الفناء سار الموكب إلى أفنية عديدة أشد جمالاً وإبداعاً، ثم إلى بستان لطيف رأوا فيه أنواع غربية من الحيوانات ذات الأربع،وبعد أن عبروا أبوابا عديدة أخرى، وساروا في تعاريج كثيرة وصلوا إلى القصر الكبير حيث يقطن الخليفة، وقد فاق هذا القصر كل ما رأوه قبل ذلك، وكانت أفنيته تفيض بالمحاربين المسلمين متقلدين أسلحتهم وعليهم الزرد والدروع، تلمح بالذهب والفضة ، ثم ادخل المبعوثون في قاعة واسعة تقسمها ستارة كبيرة من خيوط الذهب والحرير المتعدد الألوان، وعليها رسوم الحيوان والطير وبعض المناظر الآدمية وكانت تلمع بما عليها من الياقوت والزمرد والأحجار الكريمة.. والخليفة جالس على عرش من الذهب المرصع بالجوار والأحجار الثمينة. وكان بالقاهرة عدا هذا القصر قصر آخر إلى الغرب منه، عرف بالقصر الغربي، شيده الخليفة العزيز بالله، ووصفه المسبحي بأنه “لم يبين مثله في سرق ولا غرب: وكان له أيضا عدة أبواب أهمها باب السباط وباب التبانين وباب الزمرد، وكان يتصل بالقصر الكبير الشرقي بواسطة سرداب تحت الأرض كان ينزل منه الخليفة ممتطيا ظهر بغلته، تحيط به فتيات القصر، وقد تم بناء هذا القصر في سنة 457هـ/1065م في زمن الخليفة المستنصر، الذي أقام فيه وغرم عليه ألفي ألف دينار وكان يشتمل على عدة أماكن من جملتها قاعة كبيرة سكنتها ست الملك، أخت الخليفة الحاكم بأمر الله، وأقيم عليها فيما بعد بيمارستان المنصور قلاوون.وكان إمام القصر الكبير الشرقي، وفيما بينه وبين القصر الغربي، ميدان فسيح كانت تقام فيه حفلات عرض الجيش ، حيث يقف فيه عشرة آلاف بين فارس وراجل، واشتهر فيما بعد باسم بين القصرين، كما كان هناك ميدان آخر بجوار القصر الغربي، يجاور البستان الكافوري المطل على الخليج.
وإلى جانب هذه القصور التي عرفت في المصادر التاريخية باسم القصور الزاهرة احتوت القاهرة على مجموعة أخرى من المباني نذكر منها: دار الضيافة، ودار الضرب، ونعني بها دار سك النقود، والمنظرة بالجامع الأزهر، والمنظرة بجوار الجامع الأقمر، ودار الحكمة، والتربة المعزية التي عرفت بتربة الزعرفان، وغيرها من المنشآت التي حفلت بها هذه المدينة، والتي لم تستطع في الواقع أن تقاوم عوادي الزمن، فاندثرت وتلاشت، ولم تعد سوى مجرد ذكرى تفيض بأخبارها المصادر والمراجع. وكانت هذه المجموعة الرئيسية من القصورمحاطة بمنشآت ملحقة أضيفت فيما بعد إلى المباني الأولى ، ومن بين هذه الملحقات الاصطبلات التي كانت تحتل مبنين ، الأول هو اصطبل “الطارمة” (أي البيت الخشبي المقيب) ويقع في جنوب غربي القصر وشمالي جامع الأزهر بقليل ، والثاني هو اصطبل “الجميزة” ويقع جنوبي القصر الصغير ، وكان كل من المبنين يتسع لإيواء خمسمائة حصان يتولى العناية بها عدد كبير من المدربين والسياس والعمال والخدم ، وفي جنوبي القصر الكبير كانت توجد المخازن (الخزانات) حيث كانوا يخزنون الكتب والمشروبات والسروج والخيم والسجاد والملابس ، وفي عام 1116 شيد الآمر بأحكام الله “دار العلم” في مكان يقع عن زاوية القصر الجنوبية –الغربية لكن من الخارج وذلك للتخفيف من حدة الاستنكار الذي قد تسببه المناقشات التي كانت تدور فيها بكل حرية حول المشاكل السياسية والدينية ، كما قام الوزير بدر الجمالي أيضاً بتشييد “دار الوزارة” بعد عام 1094 وهي المقر الرسمي للوزراء حتى نهاية الخلافة الفاطمية وحتى زمن الأفضل أبن بدر الجمالي وخليفته في وظائف : وكان الشباك الحديدي الذي يفصل الوزير عن الحاضرين في قاعة الاستقبال لا يزال قائماً في عهد المقريزي . وكانت منطقة القصرين مركزاً للحياه السياسية ولحياة العاملين في ديوان الخليفة كما كانت المنطقة الواقعة بينهما مسرحاً للآحتفالات المهيبة ، ويذكر المقريزي أن المرور في القاهرة كان منظماً بدقة ، كما كان “يبيت خارج القصر في كل ليلة خمسون فارساً” وبعد آذان العشاء يتقدم أمير يدعى سنان الدولة نحو باب القصر “فإذا علم بفراغ الصلاة أمر بضرب الطبل والبوق ولوائقهما مدة ساعة زمانية” ثم يخرج “استاذ برسم هذه الخدمة (ضابط) ” وينادي قائلاً : أمير المؤمنين يرد السلام على سنان الدولة .
” ويشهر حربه ويغرسها على عتبة الباب ، وحينما يرفعها ثانية ينغلق الباب ، ثم يقوم بالدوران حول القصر سبع دورات ، وأخيراً يحضر حراس الليل “والفراشون” للوقوف أمام الباب ثم توضع سلسلة لمنع المرور في ميدان بين القصرين حتى تعلن “نوبة” الحراسة اقتراب الفجر ، فيتم رفع السلسلة ويمكن للناس المرور من هذا المكان .
وكان ميدان بين القصرين الكبير ذاته مسرحاً للاحتفالات والمواكب المدنية والدينية والعسكرية العظيمة ، ويؤكد المقريزي أن الميدان كان يتسع لعشرة آلاف رجل من الجنود والفرسان .
وقد قام جوهر بتنسيق بنيان المدينة العام منذ تأسيسه لها ، إذ كان الشارع الرئيسي الذي سيحمل اسم “الشارع الأعظيم ” واسم “القصبة” أيضاً ، يمثل
محور المدينة شمال – جنوب ، وتتلاقى مع هذا الشارع العريض والمستقيم شوارع ثانوية تؤدي إلى مناطق إقامة فرق الجيش الفاطمي التي كانت في طريقها للتحول إلى “أحياء” كما كان السكان يشغلون تدريجياً الفراغات القائمة فيما بينها ، بينما كانت “قاهرة” تتحول إلى مدينة حقيقية ، وفي شرقي الشارع الرئيسي ، يوجد شارع مواز له تحول إلى الجمالية فيما بعد ، وكان يؤدي إلى باب النصر ، وقد لعب هذا الشارع دوراً هاماً في نشاط الخليفة إذ كانت مواطبة تتخذ مساره للذهاب مثلاً إلى المصلى الذي كان قائماً خارج السور .
في البداية ، كانت القاهرة مدينة مخصصة للخليفة ، ولحواشيه ولفرق الجيش ، ونذكر الرحالة ناصر خسرو في نحو عام 1050 أن أحد لم يكن في ذلك الوقت يستطيع أن يمتلك بها مبنىأو داراً سكنية باستثناء تلك التي شيدها الخليفة نفسه ، ولكن وجود العديد من السكان سواء من الجنود أو من العاملين في ديوان الخليفة ، أو ممن قاموا ببناء دور لهم في المناطق الخالية الواقعة بين “الأحياء” أدى إل ظهور أنشطة حرفية وتجارية لتلبية احتياجات هؤلاء السكان البعيدين عن فسطاط ويذكر ناصر خسروا ذاته الذي يعتبر “قاهرة” بأنها مدينة الخليفة ، بأنها كانت تضم 20 ألف حانوتاً ، وهو رقم مبالغاً فيه ، وأنها كانت جميعها ملكاً للسلطان ” ومؤجرة لآخرين ، بالإضافة إلى أن الرحالة نفسه أقام في طابق بمنزل مكون من ثلاثة طوابق بالقاهرة وقد بدأت الأسواق المتخصصة في الظهور منذ وقت مبكر إذ أقيمت “سوق الشوائين” بالقرب من باب زويله منذ عام 975 م
ويشير المقريزي إلى أسواق أخرى مثل “سوق الشماعين” بالقرب من الجامع الأقمر و سوق الصيارفة بالقرب من باب زهرومة ، وبالتالي على طول الشارع الرئيسي القصبة والذي شهد فيما بعد مستقبلاً تجارياً مزدهراً وهو يذكر أيضاً ثمانية حمامات عمومية أقيمت خلال العهد الفاطمي في ممختلف احياء القاهرة وبالرغم من أن الجزء الأكبر من الاقتصاد ظل متمركزاً في مدينة الفسطاط الذي كانت تثير حماس الرجالة بسبب حيويتها ، إلا أن بعض الأنشطة الاقتصادية بدأت تنمو في داخل “قاهرة” ويكشف حديث المقريزي عن “العرف” الذي كان سائداً في القصبة في بدايات العهد الفاطمي عن معاني هامة بالنسبة لاهتمامات الخلفاء الأولى الخاصة بالقاهرة ، إذ يقول هذا المؤرخ : “اعلم أن قصبة ما برحت محترمة بحيث أنه كان في الدولة الفاطمية إذا قدم رسول متملك الروم (سفير بيزنطا) ينزل من باب الفتوح ويقبل الارض وهو ماش إلى أن يصل إلى القصر ” ، الأمر الذي يظهر الطابع شبه المقدس للمدينة التي كانت مقراً للخلافة ، ولكن بعد سطور قليلة يقوم المؤرخ بذكر الأوامر الصادرة من الخلفاء والتي توضح ما شهتدته القاهرة من تطورات لاحقة ، ففي “سنة اثنين وثمانين وثلثمائة” (992 م) نودي في السقائين أن يغطوا روايا (قرب) الجمال والبغال لئلا تصيب ثياب الناس ” وفي “سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة” (993 م) أمر العزيز بالله أمير المؤمنين بنصب ازيار الماء مملوءة ماء على الحوانيت … مخافة أن يحدث الحريق ” . وفي ثالث ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة (1001 م) أمر أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله الناس بأن يقدوا القناديل (المصابيح) في سائر البلاد على جميع الحوانيت وأبواب الدور ” . وفي عام 1005 م صدر أمر “بأن لا يمر بقصبة القاهرة حمل تبن ولا حمل حطب ولا أحد يسوق فرساً بها ” ويمنع الناس من السير بجانب سور القصر بين باب زهومة وباب زمرد ، وتوضح جميع هذه الأوامر والإجراءات أنه سرعان ما تم “امتهان” المدينة شبه المقدسة وشوارعها وهو الأمر الذي سيزداد تأكيداً فيما بعد .
وقد صاحب تعمير مدينة قاهرة حدوث امتدادات لها خارج التي وضعها جوهر ، فقد حدث منذ تأسيس المدينة ، أو بعدها بقليل ، توطين بعض فرق الجيش خارج السور بسبب نقص الأماكن ، وهكذا أيمت معسكرات القوات الزنجية خارج باب زويلة ، وينتسب اسم الحسينية التي تحولت إلى ضاحية بالقاهرة إلى إحدى القبائل التي كانت من بين فرق الجيش ، وقام العزيز بالله ومن بعده الحاكم بأمر الله بتشييد جامع الحاكم الكبير خارج سور المعز الشمالي ، ، وفي ناحية الجنوب ، ظهرت بعض الحارات (الأحياء) وقد يعودذلك إلى وجود الطريق المتجه نحو الفسطاط وفي المقابل لم يحدث أي امتداد في ناحية الشرق بسبب الأمر الذي أصدره الحاكم بأمر الله بإلقاء الأنقاض خلف الأسوار (لحماية المدينة من المياه الساقطة من الجبل) وتكون أكوام (كيمان أو تلال) منعت المدينة من الامتداد في هذا الاتجاه …. ومع ذلك كان مجموع هذه الامتدادات قليلاً لأنه حين قرر الوزير الكبير بدر الجمالي تشييد سور ثاني حول القهارة خلال الفترة بين 1087 و 1092 فإنه لم يضم إلا قليلاً من الأراضي الجديدة في الشمال (حيث ضم مسجد الحاكم) وفي الجنوب ، لم تزد الأراضي الجديدة عن 200 متراً ، وقد بلغ مجموع الزيادة الكلية 24 هكتاراً (حوالي ستون فداناً) ممل وصل بمساحة القاهرة إلى 160 هكتاراً (حوالي 400 فداناً) وقد ظلت مساحة هذا الجزء من القاهرة ثابتة حتى عام 1798 وإذا كان هذا الامتداد يعطي عكرة عن تقدم التعمير خلال أكثر بقليل من قرن ، فإنه يمكن الإلمام بمدى تواضعه .
ولا يمنع هذا من أن منشآت الوزير بدر الجمالي تعتبر من الأحداث جليلة الشأن في تاريخ القاهرة ، كان سور جوهر حائطاً من الطين ردئ الصنع لم يستطع مقاومة الزمن وسرعان ما اختفي ، لا جدال بأن تولي السلاجقة للحكم في سوريا (1076م) هو الذي جعل الوزير الجمالي يقرر تشييد سور ذي قيمة عسكرية حقيقة للمدينة ، وكما سبق أن ذكرنا فإنه تم تشييد هذا المتراس في موقع متقدم إلى الإمام عن سور جوهر ، الأمر الذي يوضح وجود أحياء في الشرق وةفي الغرب “بين السورين” وكانت المنطقة “المحمية” بالسور تنمو في1
قصور وترف الفاطميين وقصورهم فى مدينة القاهرة
وقد اندثرت تلك القصور ولم يتبق منها غير بضع لوحات خشبية منحوته غاية فى الابداع ، يحتفظ بها متحف الفن الاسلامى بتالقاهرة ، ولكن احد كتاب الفرنجه رسم صوره صادقة لقصر الخلافة رايت ان اقتطف فقرات منها وكان هذا الكاتب هو وليم الصورى يصاحب سفارة الملك الصليبى الى الخليفة العاضد ووزيره شاور فى سنة 562هـ 1167م ذكر وليم الصورى ان هذة القصور كانت فخمة وبها اروقة مرصوفى رصفا ثمينا ومسقوفة بزخارف ذهبية بديعة تحيط بها بوائك على اعمدة من رخام متعدد الالوان وروى الكاتب ان المرء كان يقف مدهوشا عندما يسير فى انحاء القصر وكان يحار عجبا اينما جال نظره فى ارجاءه وكان بالقصر نافورة يجرى الماء فيها رائقا صافيا ويصل اليها فى انابيب من الذهب والفضة وكان السفراء يتنقلون فى القصور من ممر الى ممر ومن قاعة الى قاعة ومن فناء الى فناء ومن حديقة الى حديقة وهم يشاهدون فى كل خطوة يخطونها اكثر مما شاهدو عجبا وابدع جمالا حتى وصلوا الى القصر الكبير قصر الخلافة وفاق ما رأو فى هذا القصر كل ما شاهدوه من قبل وتطلعوا فى قاعة من قاعاته الى سفارة كبيرة حيكت من خيوط الذهب والحرير وطرزت برسوم الحيوان والطيور والانسان ورصعت بفصوص من الياقوت والزمرد والجواهر الكريمة
ازدهار القاهرة فى العصر الفاطمى
وصف الكاتب وليم الصورى لقصر الخلافة يدل على البذخ والترف فى ذلك
العصر ويؤيده فى ذلك مشاهدات الرحالى الفارسى ناصر خسرو وروايات المؤرخين العرب عن هذة القصور وعن الحياة الاجتماعية فى القاهرة وهذا كله
يؤكد ازدهار العاصمة الفاطمية وعظمتها وقد جمع المقريزى فى الخطط معظم ما كتبه المؤرخون العرب من قبله فى ذلك ومن واجبنا ان ت\نصل لراوية المقريزى اذ ان جميع المصادر التاريخية والاثؤية تنهض دليلا على صحة هذة الرواية اذ استثنينا المبالغة احيانا فى الارقام الوارده فيها وقد سجل المقريزى وصفا لخزائن القصور الفاطميو ومحتوياتها واولها خزانة الكتب التى كان
مكتبة عظيمة جمعت من الكتب النفيسة ما يزيد على مائة الف مجلد وكان بالخزانة اقسام كثيرة قسم لكل نوع من انواع العلوم
ومن تلك الخزائن خزائن الكسوة التى حوت انواع الاقمشة الفاخرة والثياب الحريرية والديباج المذهب والمنسوجات النفيسة ومنها خزينة الشراب والطعام وكان فيها من الاوانى النفيسة والادوات الثمينة والجواهر الغالية ما لم يكن يحصى او يقدر بثمن ومنها خزانات السروج والفرش والخيم والسلاح
وتتجلى هذة العظمة من وصف موكب من المواكب التى كانت تجرى فى المواسم والاعياد مثل راس السنة الهجرية واول شهر رمضان وايام الجمع وعيدى الفطر والاضحى وتخليق المقياس وفتح الخليج وكان الاحتفال يعد قبل الموعد المحدد له فيخرج من خزائن السلاح ما يحمله الركابية وغيرهم حول الخليفة كالصماصم والدبابيس وتالسيوف والرماح والاعلام وكان اهل القاهرة كما كان اهل مصر الفسطاط يبتهجون عظيم الابتهاج بهذة المواكب والمواسم والاعياد وكانوا يقيمون الزينة فى الشوارع والطرقات وتزدحم جماعاتهم فيها حتى ان الاولاة كانو ينزلون من يحفظ الناس والزينة وحديث المؤرخين عن ازدهار القاهرة وانطباع الحياة فيها بالترف والثراء حديث طويل وكذلك تحدثوا عن ازدهار العلوم والاداب فى ذلك العهد واول ما تجدر الاشارة اليه هو ان هذة الحياة المترفة لم تكن مقصورة على قصور الخلفاء والامراء والوزراء بل كانت اثارها تمتد الى غيرهم من الطبقات وكانت وسائل العيش والترفيه ميسرة لخاصة القوم والى حد ملحوظ لعامة القوم ولم يكن رجال الفن مسخرين فحسب لخدمة الخلفاء والامراء وخاصة القوم بل كانوا ينتجون من الاعمال ما يرضى العامة والخاصة على السواء وليس ادل على ذلك من شبابيك القلل الفخارية والتى كانت تتداول بكثرة فى الاسواق باثمان زهيدة ومع ذلك فقد كان الصناع يعنون بجمال اشكالها وتخلفت كذلك من القاهرة الفاطمية الاف من الاوانى الخزفية التى كانت صناعتها رائجة حينذاك وكان انتاجها وفيرا الى حد ان التجار كانوا بيعون اصناف البقالة فى اوانى من الخزف وكانو يقدمونها بالمجان