كان من نتيجة استكثار المعتصم من مماليكه من الترك أن كثر النزاع بيننهم وبين أهل بغداد وضاق أهل بغداد بالأتراك ذرعا وكثرت شكاويهم منهم فما كان من المعتصم إلا أن عمل على نقل مركز الخلافة من بغداد (1)
وكان المعتصم قد شيد قصرا فى موضع يبعد عن بغداد بنحو ستين ميلا فى موقع كان أبوالعباس السفاح قد شرع فى بناء مدينة له وهو نفس الموقع الذى بنى فيه هارون الرشيد قصرا وحفر عنده نهرا سمى القاطول ووقع اختيار المعتصم على هذا الموقع ليؤسس فيه لعاصمة جديدا غير بغداد (2)
موقع سامراء
لم يكن اختيار المعتصم لموقع بغداد اعتباطا وانما كانت هناك عوامل كثيرة حببت اليه هذا الموضع منها أن هذا الموضع لم يكن غريبا عنه اذ كان متصيدا ومتنزها له ولوالده الرشيد
كذلك فإن فى موقع المدينة الجديدة مركزا يمكن المعتصم من القضاء على الفتن التى كان يتخوف من وقوعها من أهل بغداد (3)
ولاشك أن اختيار المعتصم لموضع سامراء كان على جانب كبير من الصواب فإنها تقع فى منطقة مرتفعة على الضفة الأخرى من النهر ولا تتعرض لخطر الغرق فى أشد حالات الفيضان
تاريخ بناء مدينة سامراء
لم يتفق المؤرخون على السنة التى شيدت فيها سامراء فذهب بعضهم الى أنها بنيت فى عام 220 هجرية وفى ذلك يقول صاحب كتاب تجارب الأمم ( وفى هذة السنة اى 220 هجرية خرج المعتصم الى القاطول وابتدأ ببناء سر من رأى وذلك فى ذى القعدة منها ) (4)
ولقد أشار ابن خليكان فى كتابه وفيات الأعيان الى تاريخ بناء سامراء فقال ( إن سامراء بناها المعتصم فى سنة عشرين ومائتين )
كما ذكر القلقشندى فى صبح الاعشا ( وفى سنة عشرين ومائتين خرج المعتصم من بغداد لبناء سامراء ) وذهب آخرون الى أن بناء المدينة كان عام 221 هجرية(5)
بناء المدينة
بعد أن قر رأى المعتصم على الموضع النهائى للعاصمة الجديدة أمر بإحضار المهندسين فاختاروا عدة مواضع للقصور وصير كل رجل من أصحابه لبناء قصر وأقطع القواد والكتاب والناس وأعطاهم النفقات لبنائها ثم خط المسجد الجامع وأشخص الفعلة والبنائين وأرباب الفنون وكتب فى حمل سائر ما يحتاجه البناء من خشب ورخام وزجاج وشقت الشوارع واختطت الأسواق والمرافق الأخرى وحفرت الآبار ونصبت الدواليب وحملت الغروس والنخيل من سائر البلدان ثم تتابع الخلفاء بعد المعتصم يبذلون جهودا عظيمة فى توسيع المدينة والعمل على ازدهارها ولا سيما الخليفة المتوكل
سامراء فى عهد الخليفة المتوكل
كان عصر المتوكل عصر العمارة وتشييد القصور وبلغ من ولعه بالعمارة وحب البناء أنه كان يدور بنفسه على العمال فمن رأه قد جد البناء أجازه وأعطاه حتى أنه قيل أنه شيد الناس وأوسع أربعة وعشرين قصرا فاتسع البناء فى سامراء وازدهر واندفع الناس يشيدون البيوت والقصور حتى اتسعوا فى ذلك أكثر من اتساعهم فى بغداد
والواقع أن تخطيط مدينة سامراء يدل على براعة فائقة فى هندسة تخطيط المدن يتجلى ذلك فى تنظيم الشوارع والمساكن وتنسيق الأبنية العامة والأسواق والمتاجر والمساجد وغيرها
والواقع ان الازدهار العجيب فى البناء وسرعته وفخامته يرجع الى عوامل عديدة من حسن حظ المدينة ان تتوافر فى تلك الأونة منها حب الخلفاء للعمارة وتشجيعهم على البناء والتعمير(6)
شوارع مدينة سامراء
اشتهرت سامراء بكثرة شوارعها واستقامتها واتساعها واهمها الشارع الأعظم وكان عرضه مائة متر وعرض الشوارع المتفرعة خمسون متراا
كانت سامراء تنقسم الى قسمين قسم يقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة وفى هذا القسم من المدينة توجد القصور والبرك والمساجد التى أنشأها خلفاء بنى العباس
وأما القسم الثانى فيقع على الضفة الغربية من نهر دجلة وكان به بساتين المدينة وحدائقها ومجالسها وكان يربط بين القسمين جسر
ولقد أشا ايعقوبى الى ذلك فقال ( ولما فرغ المعتصم من الخطط ووضع الأساس للبناء فى الجانب الشرقى من دجلة فأنشأ هناك العمارات والبساتين والأجنة )( 7)
ولا شك أن فترة العمران الكبرى فى حياة سامراء هى عصر الخليفة المتوكل الذى أنفق فى بناء القصور بالمدينة ما يزيد على مائة واربعون مليون درهم ومما بناه البركة المشهورة والمسجد الجامع
ولقد ضاق الخليفة المتوكل ذرعا بالأتراك فى السنوات الأخيرة من عهده فحاول الهرب منهم الى دمشق ثم عاد فبنى شمال سامراء مدينة المتوكلية ( 8)
واذا كان للمعتصم الفضل فى بناء سامراء فإن الفضل يعود للمتوكل فى توسيعها وتجميلها وايصالها الى عصرها الذهبى حتى أنها صارت أعظم بلاد الله اذ لم يبن أحد من الخلفاء فى سامراء مثلما بنى المتوكل من القصور مثل قصر المختار والبرج والشيدان والغريب وبستان الايتاخية والقلائد وبلكوراء وإن كانت أعظم هذة الآثار جميعا المسجد الجامع ذو المئذنة الحلزونية أو الملوية (9)
إن أعظم ما ميز سامراء هو أنها لعبت دورا كبيرا فى تطور الفن الاسلامى وخاصة فيما يتعلق بالزخارف المحفورة على الجص والت تعددت طرزها فى سامراء وكان لكل طراز ما يميزه من أساليب الحفر وتنفيذ الزخارف النباتية حتى عرفت سامراء بطرزها الزخرفية واشتهرت بها