شرع إدريس الأول بيعته فى ترسيخ أركان الدولة وكان عليه أن يؤسس عاصمة جديدة وبخصوص تأسيس مدينة فاس فقد كان هناك الكثير من الآراء حول بنائها وتاريخ الشروع فيه وبالتالى حول مؤسسها وكان الرواية الشائعة إن إدريس الثانى هو مؤسس مدينة فاس إذا شيد عدوة الأندلسسين عام 192 هجرية ثم عدوة القرويين فى العام التالى لكن العلامة بروفسال جاء برأى جديد هو أن إدريس الأول بدأ تأسيس مدينة فاس عام 172 هجرية فى الموضع الذى يحوى عدوة الأندلسيين أما إدريس الثانى فقد أسس عدوة القرويين عام 193 هجرية غربى مدينة ابيه على الضفة اليسرى من وادى فاس أذ استبعد بروفسال أن يؤسس إدريس الثانى مدينتين فى آن واحد (1)

والواقع أن الحقائق تؤكد ذلك حيث جرى العرف على أن كافة مؤسسى الدول المستقلة فى بلاد المغرب قاموا بتأسيس وبناء عاصمة جديدة عقب بيعتهم

ولقد حرص إدريس الثانى على تأكيد سلطته فأسس فاس لتحل محل وليلى كحاضرة لدولته وكان عدم انتقاله الى فاس بسبب انشاله بالفتوح خاصة فى تلمسان

لقد تم اختيار موقع فاس بعناية وحصافة وحسن تقدير فالمكان يجمع بين عزارة الماء فى وادى فاس واعتدال الهواء وتوافر مواد البناء من أحجار وأخشاب هذا فضلا عن الموقع الاستراتيجى للمدينة على الطريق الرابط بين منطقة الأطلس والمغرب الأوسط وأهمية الموقع بالنسبة لتجارة السودان (2)

لقد دفع إدريس الثانى عوامل كثيرة لتأسيس فاس منها تخوفه من مؤمرات البربرحيث اشترك زعيم قبائل اوربه وغيره من زعماء البربر فى مؤامرة ضده فى وليلى فكان لابد من تأسيس عاصمة جديدة بعيدا عن وليلى والبربر(3)

إن مدينة فاس أسست عام 192 هجرية ومؤسسها رجل من أعلام المسلمين المهاجرين من الحجاز الى المغرب وهو ادريس بن عبدالله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه وكان تأسيس فاس رمزا لبلورة الاسلام واللغة العربية فى المغرب(4)

وتم بناء المدينة فى عام وقدم عليها جماعات كثيرة من العرب من ضواحى قرطبة ومن القيروان والف هولاء النواة الأولى للحيين الأساسيين فى المدينة (5)

ولقد وزع الامام إدريس بين المهاجريم أرض المدينة وأباحهم إياها للتعمير والسكنى وجعل النهر فاصلا بين الفئتين وتسمى الجهة التى سكنها القيراونيون وهى الجهة الغربية باسم عدوة القرويين وتسمى الجهة الشرقية التى سكن فيها الأندلسيون باسم عدوة الأندلس وهو مازل قائما حتى اليوم (6)

وأهم ما بنى فى فاس السور الحجرى والمسجد الجامع ومنارته التى تشبه منائر القيروان ولقد استمر عمران المدينة فى عهد يحيى بن محمد الادريسى وشيدت فى المدينة الحمامات والأرباض والفنادق ورحل إليها الناس من الثغور القاصية (7)

وأهم عمائر فاس وأقدمها مسجدها الجامع ( جامع القرويين ) ويقابله فى عدوة الاندلس مسجد الأندلسيين

وشهدت مدينة فاس تأسيس العديد من مدارس العلم فى عصر بنى مرين كما امتازت فاس فى زخرفة مساجدها ومنازلها بالزليج وهو قاشانى المغرب وهو بلاطات زخرفية

كما امتازت فاس بمنازلها الجميلة ويف ليو الافريقى ( الحسن الوزان ) فى كتابه وصف افريقيا يصف منازل ودور فاس بأنها كانت مشيدة من ىلآجر ووالحجر المنحوت بدقة ومعظم الحجر جميل ومزدان بفسفساء بهيجة وكذلك الأفنية والأروقة مبلطة بزليج مربع قديم مختلف الأشكال والألوان على شكل أوانى خزفية وقد اعتاد الناس أن يصبغوا السقوف بألون زاهية مثل اللازورد والذهب (8)

إن مدينة فاس كبيرة للغاية وهى محاطة بجدران عالية وتوجد بها المدارس المشيده على أحسن وجه ويوجد بها عدة مارستانات وحمامات نظيفة وطواحين والأحياء الصناعية فى فاس مستقلة عن بعضها البعض ويقع أشهرها فى شكل دائرة حول جامع القرويين وبالقرب منه (9)

لقد ازدهرت فاس فى عصر بنى مرين حتى أصبحت فى ذلك العهد تسمى بقرطبة الثانية تبارى مساكنها فى رقة زخرفها وحدائقها الداخلية ولوحات الزليج والنقوش الجصية الجميلة والفسقيات والفنادق والحمامات وجداول المياه (10)

ولقد شيد المرينيون فاس الجديدة ويصف ابن خلدون كيف أن جيشا من البنائين قد شاد فى بضعة أسابيع قصرا من أجمل قصور فاس صممه السلطان أبوالحسن ليستقبل فيه خطيبته الأميرة عزونة ويقول ابن خلدون حظى قصره بكنز نفيس وأضاف الى دولته عملا مجيدا واقتنى لنفسه وعائلته اية فنية رائعة (11)

يعبر التنظيم المرينى لمدينة فاس عن المفهوم العام الذى ار عليه مشيدى المدن المغربية الا وهو انشاء مدينة صغيرة هى دار المخزن أو دار الدولة أو القصر الملكى داخل المدينة وتضم دار المخزن التى تتميز عن باقى المدينة تضم مختلف ادارات الدولة

أما لى المدينة ذاتها فإن الأبنية الدينية تحتل المكانة الأولى حيث المسجد الجامع ومساجد الأحياء والمدارس ولى جانب هذة الأبنية الدينية يوجد العديد من الحمامات العامة ويقضى تليد أندلسى بأن يكون السوق قريبا من المسجد الجامع ويتكون السوق فى فاس من مجموعة من الأزقة مظللة غالبا بشبكة من القصب (12)

وقد مدح مدينة فاس  الفقيه الزاهد أبو الفضل ابن النحوي بقوله:

يا فاس جميع الحسن مسترق *** وســاكنوك ليهنهم بمـا رزقوا

هذا نسميك أم روح لراحتنا *** وماؤك السلسل الصافي أم الورق

أرض تخللها الأنهار داخلها *** حتى المجالس والأسـواق والطـرق

وقال الفقيه الكاتب أبو عبد الله المغيلي يتشوق إلى فاس وكان يلي خطة القضاء بمدينة آزمور

يا فاس حيا الله أرضك من ثرى      وسقاك من صوب الغمام المسبل

يا جنة الدنيا التي أربت على          حمص بمنظرها البهي الأجمــل

غرف على غرف ويجري تحتها     ماء ألذ مـن الرحيق السلسل

وبساتن من سندس قد زخرفت       بجداول كـالأيم أو كالمقصـل

وبجامع القروين شرف ذكره        أنس بذكراه يهيـج تملمــل

وبصحنه زمن المصيف محاسن     فمـع العشي الغرب منـه استقبل