المسجد الأقصى فى العصر الفاطمي

خضعت بيت المقدس للنفوذ الفاطمي منذ تمكن قائدهم جعفر ابن فلاح من الاستيلاء على مدينة دمشق من العباسيين سنة 359 970م ([1])

ولقد نال المسجد الاقصى فى العصر الفاطمي الكثير من الرعاية والاهتمام والاصلاح والجديد .

ولقد تعرض المسجد الاقصى فى العصر الفاطمي للكثير من الزلازل التى اصابته بالكثير من الاضرار ففي عام 406هـ 1016م تعرض المسجد الاقصى وكذا قبة الصخرة الزلزال شديد فتهدمت اجزاء كثيرة منهما ، وكان ذلك فى عهد الخليفة الحاكم بامر الله ([2])

ولما تولى الخليفة الظاهر لاعزاز دين الله بعد وفاة والده سنة 412 هـ 1021م أمر وزيره على بن أحمد باصلاح وترميم ما تصدع بالمسجد الاقصى ، وقد سجل هذا الترميم فى شريط من الكتابة ما تزال تحتفظ به رقبة القبة التي تعلوا الرواق الأول مام المحراب ([3])

وفى عام 425هـ يذكر ابن كثير فى البداية والنهاية وفيها كثرت الزلازل بمصر الشام فهدمت شيئا كثيرا ، وسقط بعض حائط بيت المقدس ، ووقع من محراب داود قطعة ([4]) كبيرة ([5])

ولا شك ان هذه الزلازل المتعاقبة قد اثرت على عمارة المسجد الاقصى مما جعله فى حاجة ماسة لاعادة الاعمارة والتحديد والاصلاح ويذكر المؤرخ ابو المحاسن فى كتابه “النجوم الزاهرة” “أن الخليفة الظاهر لاعزاز دين الله قد أمر بتجديد المسجد بعد الزلزال الذي حدث سنه 425هـ 1033م ([6])

ويذكر عارف العارف فى كتابه ان الخليفة الظاهر قام بترميم سور مدينة القدس وقبة مسجد الصخرة وتمت العمارة على يد على بن أحمد المنقوش اسمه على الاخشاب الملصقة فى صدع الدهليز الذي فى رقبة القبة ([7])

والكتابات التي سجلت عمارة الظاهر لاعزاز دين الله موجودة فى شريط كتابى بالواجهة الشمالية لمربع القبة ونص الكتابات :

“بسم الله الرحمن الرحيم ـ قد جدد المسجد الاقصى سيد الانم الامير على ابو الحسن الامام الظاهر لاعزاز دين الله امير المؤمنين ابن الحاكم بامر الله” وذلك سنة 427هـ 1046م ([8])

ويرجع الفصل فى الكشف عن هذه الكتابات التي تؤرخ لعمارة الظاهر لاعزاز دين الله للمسجد الاقصى للمهندس التركي كمال الدين الذي اوفده المجلس الاعلى الاسلامي لاصلاح المسجد وبالكشف عن بعض اجزائه تثبت ما تقدم ذكره حيث كشف عن هذه الكتابة التاريخية وهي منفذة بالخط الكوفى ([9])

 وصف الرحالة ناصر خرو لمسجد الاقصى فى العصر الفاطمي

زار الرحالة الفارسى ناصر خسرو بيت المقدس فى النصف الأول من القرن ، هـ 11م ووصف المسجد الاقصى بعد عمارة الظاهر لاعزاز دين الله واعطانا تصورا متكاملا عن شكل الجامع فى العصر الفاطمي فى كتبة سفر تامة ومن ما ذكره “وحين يعود السائر الى الحائط الجنوبي ، على مائتي ذراع من تلك الزاوية ، يجد سقفا ، وهناك ساحة المسجد ، وأما الجزء المسقوف من المسجد الكبير ، والذي به المقصورة فيقع عند الحائطين الجنوبي والغربى وطول هذا الجزء عشرون واربعمائة ذراع وعرضه خمسون ومائة ذراع ، وبه ثمانون ومائتا عمود من الرخام على تنجانها طيقان م نالحجارة . وقد نقشت تيجان الاعمدة وهياكلها وثبتت الوصلات فيها بالرصاص في منتهى الاحكام ، وبين كل عمودين ست اذرع مغطاة بالرخام الملون الملبس بشقاق الرصاص والمقصورة في وسط الحائط الجنوبي ، وهي كبيرة جدا ([10]) تتسع لستة عشر عمودا ، وعليها قبة عظيمة جدا منقوشة بالمنيا ، وهي مفروشة بالحصير المغربي ، وبها قناديل ومسارح معلقة بالسلاسل ، وبها محراب كبير منقوش بالمنيا ، وعلى جانبيه عمودان من الرخام لونهما كالعقيق الاحمر ،وإزار المقصورة كله من الرخام الملون .

وعلى يمينه محراب معاوية ، وعلى يساره محراب عمر رضى الله عنه ، وسقف هذا المسجد مغطى بالخشب المنقوش المحلى بالزخارف ، وعلى باب المقصورة وحائطها المطلات على الساحة خمسة عشر روقا ، عليها ابواب مزخرفة ارتفع كل منها عشرة اذرع وعرضه ست ، عشرة من هذه الابواب تفتح على الجدار الذي طوله عشرون واربعمائة ذراع .

وقد زين باب منها غاية الزينة ، وهو من الحسن بحيث تظن انه من ذهب ، وقد نقش بالفضة وكتب عليه اسم الخليفة المامون ، ويقال أنه هو الذي ارسله من بغداد .

وحين تفتح الابواب كلها ينير المسجد حتى لتظن انه ساحة مكشوفة ، أما حين تعصف الريح وتمطر السماء وتغلق الابواب فان النور ينبعث للمسجد من الكوات ، وعلى الجوانب الاربعة من الحرم المسقوف صناديق من مدن الشام والعراق بجلس بجانبها المجاورون .

وخارج هذا الحرم ، عند الحائط الكبير الذي مر ذكره ([11]) رواق به اثنان واربعون طاقا ، وكل اعمدته من الرخام الملون ، وهذا الرواق متصل بالرواق المغربى .

وتحت الحرم المسقوف حوض جعل بحيث يكون فى مستوى الارض حين يغطي ومد بنى لتجمع قرمياه الامطار ، وعلى الحائط الجنوبي باب مؤدى الى ميضأة .

وعند بوابة المسجد حيث هذا الممر الذي عليه باب ذو مصراعين تبلغ ارتفاع الجدار من الخارج ما يقرب من خمسين ذراعا وقد تصدر بهذا الباب ان يدخل منه سكان ([12]) المحلة المجاورة لهذا الضلع من المسجد ، فلا يلجأون الى الذهاب لمحلة اخرى حين يريدون دخوله ، وعلى الحائط الذي يقع يمين الباب حجر ارتفاعه خمس عشرة ذراعا وعرضه اربع اذرع وليس فى المسجد حجر أكبر منه .

وفى عرض المسجد باب شرق يسمى “باب العين” وهناك أيضا باب تحت الارض يسمى الحطة ، وهناك باب السكينة فى دهليزه مسجد به محاريب كثيرة ([13])

ولقد علق د كمال الدين سامح على وصف ناصر خسرو للجامع الاقصى فقال أن ما ذكره خسرو بشأن ابعاد المسجد وانها 150 ذراع × 420 ذراع فذكر أن الرقم الأخير غير صحيح على الاطلاق والصحيح انها 120 ذراع وليس 420 ذراع اذ لو كانت 420 ذراع لوصلت واجهة المسجد الاقصى عند قبة الصخرة ، كما اشار ناصر خسرو الى أن عدد اعمدة المسجد الاقصى 280 عمود وهذا غير صحيح .

وبالكشف عن الغطاء الرصاص المغطى للقبة الخشبية بالمسجد ظهرت بعض زخارف فاطمية الطراز ومن ذلك يتضح أن رقبة القبة لا يمكن أن يكون انشاؤها بعد عهد الظاهر الفاطمي ، وعلى هذا فتكون الاربعة عقود الحاملة للقبة من العهد الفاطمي ، كما يوجد أحد عشر الى اثنى عشر رباطا خشبيا بالقرب من القبة تسب الى الخليفة الظاهر ـ هذا بالاضافة الى ان الرباط الذي يقع الى يسار ([14]) المحراب يحمل اسم الظاهر ، ويرجح أن الممر الاوسط وهو اكبر الممرات بما فيه من كوابيل وزخارف من أعمال الخليفة الظاهر الفاطمي ([15])

ولقد تتابعت يد التجديد والترميم للمسجد الاقصى فى العصر الفاطمي فقد جدد الخليفة المستنصر بالله سنة 448 هـ 1066م الحائط الشمالى من المسجد وكذا الاروقة المتصدعة ([16])

كما اثبتت الدراسات المعمارية التي أجريت للمسجد الاقصى فى العصر الحديث والتي قام بها علماء أجانب امثال كرزويل وهاملتون وسترانج وغيرهم أثبتت هذه الدراسات أن البناء الموجود حاليا ، انما يرجع الجزء القديم منه الى عهد الخليفة العباسى المهدى (163حـ 779م) وان ما أضيف للمسجد فى العصر الفاطمي كان رواقين من الجانبين ، فأصبح المسجد يحتوي على سبعة اروقة ، وهو ما عليه المسجد الحالى ([17])

شكل المسجد الاقصى فى عهد الظاهر الفاطمي

ذكر كزويل ان عمارة الظاهر لاعزاز دين الله للمسجد الاقصى بعد زلزال 1035م قد حددت شكله الحالى بدرجة كبيرة وان الكثير من عمارة الظاهر في المسجد الأقصى ما زال قائما .

ولقد استطاع المهندس التركي كمال الدين الذي قام باصطلاحات كثيرة فى الجامع ما بين عامي 1924 و 1927م استطاع الكشف عن الكثير من تفاصيل البناء التي تثبت ذلك ([18])

أولا ازال طبقة الجص عن واجهة القوس الشمالى الشمالية الذي يحمل القبة ، وكشف عن زخرفة فسيفسائية رائعة محاطة بكتابات كوفية طويلة تحت عوارض السقف باسم الخليفة الظاهر ، وهذا يثبت ان العقد الحامل للقبة لا يمكن ان يكون احدث من عام 1035 م .

كما ازال جزئيا الغطاء الرصاص عن الحافة السفلية للقبة الخشبية ، وكان هذا الجزء مغطى بالزخارف من العصر الفاطمي ، وكذلك الاقواس الاربعة الحاملة للقبة ايضا ، وليس فقط القوس الموجود تحت النص الكتابى .

هذا فضلا عن العوارض الخشبية التي تصل وتربط بن عقود الجامع والتي تحمل بعضها اشرطة من الكتابات الكوفية تعود الى القرن الـ 11م 5هـ ([19])

وهكذا يكون من الواضح ان قسما كبيرا من المسجد الاقصى الحالى ، هو من عمل الخليفة الظاهر ، أي اعمدة الرواق المركزي والاقواس الاربعة تحت القبة ورقبة القبة حتى نهايتها العليا وصف الأعمدة شرقي صف اعمدة القاعة وصفوف الأعمدة التي تقع على يسار القوس الحامل للقبة الشرقي والصفات المتوافقان على الجانب المقابل .

ولابد أن الحد الشمالى لمسجد الظاهر هو نفس الحد الحاضر لان اثنين من المداخل المركزية الثلاثة ـ نظرا لزخارفها ـ لابد وان تعود الى القرن الثامن الميلادي على الاقل

وجزء كبير من المسجد الاقصى الحالى من عمل الظاهر ومسجده كان يتألف من سبعة اروقة ، التي تشكلها صفوف الاعمدة العمودي على جدار القبلة ، والتي يتألف كل منها من احد عشر قوسا ما عدا الرواقين المركزيين .

وكان عرض الرواق المركزي تقريبا ضعف عرض البقية 11.8م مقابل 6.5م وكان فيه منور ، وكانت السبعة الاولى من اقسامه مغطاة بسقف جمالوني وبعده قبة خشبية كبيرة ([20])

وكانت الاروقة الجانبية كانت مغطاة بالسقوف الجمالونية على مستوى ادنى من السقف الرئيسي وموازية له .

ويميل كربزويل فى النهاية الى الاعتقاد بان مسجد الظاهر لم يكن اعرض من البناء الحالى . ([21])

وبذلك نرى ان الاصلاحات والعمارة التي تمت فى المسجد الاقصى في عهد الظاهر يرجع اليها الفضل فى وجود الجزء الاكبر من المسجد الحالى وليس بصحيح من انه يقال انه يرجع الى عهد الصليبين وصلاح الدين ([22])

كما ورد بالمصادر التاريخية ان الخليفة المستنصر قام بترميم الحائط الشمالى من المسجد ، وكذا بعض الاروقة المتصدعة عام 448 هـ 1066م ([23])

ويقال ان الخليفة المستنصر قد ركز في ترميمه على المدخل الشمالى للمسجد الاقصى الذي اجرى فيه تغيير واضح . ([24])