المسجد الاقصى فى العصر العباسي

دخلت القدس فى حكم العباسيين سنة 132 هـ 750 بعد نجاح العباسيين فى اسقاط الدولة الاموية وقتل اخر خلفاءها مروان بن محمد ، ولقد نال بيت المقدس فى العصر العباسي الكثير من الرعاية والعناية والاهتمام فقد اشارت المصادر التاريخية الى أن ابا جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين قد زار بيت المقدس سنة 141هـ 759م وصلى فيه وفاء لنذر كأن عليه وانصرف ([1])

كما أشار ابن كثير فى البداية والنهاية الى “أنه كما كان فى خلافة أبى جعفر المنصور قدم بيت المقدس فى سنة اربعين ومائة فوجد المسجد خرابا ، فأمر تقلع ذلك الذهب والصفائح التي على القبة والابواب ، وأن يعمروا بها ما تشعث فى المسجد ففعلوا ذلك ، وكان المسجد طويلا فأمر أن يؤخذ من طوله ويزاد فى عرضه ([2])

وقد جاء فى مثير الغرام ، أن ذلك الزلزال حدث فى عهد الحليفة العباسى ابو جعفر المنصور سنة 138هـ 754م  755م ([3]) ولقد تهدمت سبب هذه الزلزلة بعض اجزاء المسجد الاقصى وفى ذلك يقول المقدسى فى كتابه احسن التقاسيم “كان المسجد الاقصى أحسن من جامع دمشق ، ولكن جاءت زلزلة فى دولة بني العباس ، وكان ذلك فى خلاقة ابى جعفر المنصور ، وقد طرحت هذه الزلزلة المغطى الا ما حول المحراب ، فلما بلع الخليفة خبرة .. قيل له لا يفي برده الى ما كان بيت مال المسلمين . فكتب الى أمراء الاطراف وسائر القواد ان يبنى كل واحد منهم رواقا ، فبنوه اوثق وأغلظ صناعة مما كان ” ([4])

وأشارت بعض المصادر التاريخية الى ان ابا جعفر المنصور أمر بخلع الصفائح الذهبية والفضية التي كانت على الابواب ، فضربت دنانير ودراهم ، وأنفقت عليه حتى فرغت .

وفى سنة 158 هـ 774م حدث زلزال آخر فوق عالبناء الذي أمر به الخليفة النصور ، وقيل ان الجزء الأعظم من المسجد هدم يومئذ خلا القسم الذي حول المحراب ([5])

وأمر المهدي بتعميره قائلا “انقصوا من طوله وزيدوا فى عرضه” ([6])

ولا يزل أقدم جزء من هذه العمارة باقيا الى اليوم ، كما جاء في وصف لو سترانج الذي ذكر ان رواق القبلة كان به ستة وعشرون بابا بينما كان المدخل المقابل للمحراب مغطى بصفائح من ([7]) النحاس البراق وكان ثقيل الوزن ، وقد عرف باسم باب النحاس الاعظم ومما قاله ايضا ” أن صف الأعمدة الذي أقامه والى مصر وسوريا كان مقاما من الرخام ، وكان يعلو الممر الاوسط لرواق القبلة .

 إعادة تخطيط مسجد المهدي

عرض كريزويل فى كتابة عن العمارة الاسلامية شكل المسجد الاقصى فى العصر العباسي خاصة بعد اضافات واصلاحات المسجد فى عصر الخليفة المهدي .

ورجع كربزويل الى وصف المقدس للجامع ، وذكر أنه لا يمكن للمرء من خلال وصف المقدس الا أن يدهش للتشابه بين الصفات الرئيسية للمسجد الذي شاهده والصفات الرئيسية لمسجد الظاهر . مثال المدخل المركزي الكبير والمداخل الصغيرة السبعة . الى اليمين اليسار والسقف الجمالوني العظيم فوق الجزء المركزي والقبة الجميلة التي ترتفع فوقه والسقف المغطى بصفائح الرصاص .

ولكن هناك ما يزيد على ذلك رأينا ان الأعمدة من حجمين الأعمدة القائمة فى القاعة وشرقيها وهي مداميك من الحجارة مكسوة بالجص وهذا يذكرنا بكلمات المقدسى عند حديثه عن مسجد المهدي : “وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي الى حد أعمدة الرخام وما كان من الاساطين المشيدة فهو محدث ” ([8])

وهكذا فإن مسجد المهدي ارتكز جزء منه على أعمدة  والجزء الآخر على دعائم دائرية تماما كالمسجد الحالى ، وأن الجزء المركزي كان مغطى بسقف جمالوني عظيم ارتفعت فوقه قبة جميلة ، وبالاضافة الى ذلك فإن الرواق المركزي الكبير ، والرواق الواقع على يمينه ويساره كان بنفس العرض الحالى ، لان محاورة محددة بالمداخل المركزية الثلاثة ، اليس من الجدير بالملاحظة أن عدد الابواب فى الجانب الشرقي من مسجد المهدي (وهو أحد عشر) يتوافق تماما مع عدد الاقواس فى صفوف الأعمدة اليوم ؟ الا يوحي ذلك بان صفوف الأعمدة بمسجد المهدي كان تتكون من أحد عشر صفا  ويبدو ان مسجد المهدي كان يتكون من مساحة عرضها 11.8م (من المركز الى المركز) لأن الرواق ([9]) المركزي بالاضافة الى (6.5 × 14م) عرض الاروقة الاربع عشرة المتوافقة مع الابواب الصغيرة الاربع عشر (102.8م) والطول من الشمال الى الجنبو مبلغ 69.2م .

كذلك نجد العوامل الخشبية المستخدمة فى طرفي عوارض السقف وهي ذات حجمين ، ويبدوا أن هذه العوارض اقدم من عهد الظاهر ، وأنها تعود لعمارة المهدي للمسجد الاقصى ([10]) وان كان بعض الباحثين قد نسب هذه العوامل الى العصر الاموي الا أن المسجد فى العصر الاموي لم يكن فيه رواق مركزي عريض قبل عصر المهدي ، وبالتالى لم تكن هناك ضرورة لعوامل خشبية كبيرة بمقاس 110 × 60 سم ([11])

ومن خلال الاكتشافات الاثرية التي قام بها المهندس التركي كمال الدين سنة 1922 م تبينأن مساحة المسجد الاقصى الذي جدده الخليفة العباسي المهدي هي 102.80م طولا و60.20م عرضها اي ان نسبة الطول الى العرض 2 : 3 وهي النسبة المعتادة فى العمارة العباسية ([12])

تشير المخططات التي عملها هاملتون ، وكريزويل ، وفريد شافعي للمسجد الاقصى بعد تجديدات المهدي اي بعد عام 780م أن كثيرا من العناصر التركيبية والمعمارية التي كانت موجودة سابقا ابان التجديدات الاموية ، ادخلت ضمن الصيغة التي طرأت على المسجد فى اثناء تجديدات العباسيين : الأمر الذي يجعل من هيئة تلك الصيغة التصميمية صورة مقاربة لمخطط المسجد فى العهد الأموي ، وهو الأمر الذي حاول معه د/ احمد فكرى اي يعترض مخططا اجتهاديا للمسجد قريبا من المخطط العباسى . ([13])

 المسجد فى العصر العباسي

كان المسجد تتكون من خمسة عشر رواقا تسير عقودها عمودية على جدار القبلة ، عدد عقود كل رواق 11 عقد ، وللمسجد اسقف خشبية مغطاة من خارجها ببلاطات من الرصاص ، وكان الرواق الاوسط هو اوسعها ، يغطيه سقف جمالوني يرتفع عن يبقية اسقف المسجد وبينها امام المحراب بقبة عالية من الخشب مغطاة بلاط من الرصاص ، وكان للمسجد خمسة عشر بابا بالجهة الشمالية اوسعها الباب الاوط وكلها مداخل معقودة بينما شغل الضلع الشرقي من المسجد باحد عشر مدخلا من المداخل البسيطة المباشرة وكانت جدران المسجد من الداخل مغطاة بالفسفساء ([14])