مقياس النيل في جزيرة الروضه بالقاهرة حوالي عام 1936 م من أشهر المنشآت المائية التى ترتبط بنهر النيل مقياس النيل بجزيرة الروضة بالمنيل حيث شيد هذا البناء الرائع منذ أحد عشر قرنا وهو أقدم أثر اسلامى فى مصر ما زال محتفظا بأهم تفاصيله امر ببناءه الخليفة العباسى المتوكل على الله وذلك عام 247هــ 861م بعض المؤرخين نسب بناء المقياس للخليفة المأمون ولكن أكد لنا ابن خليكان فى كتابه وفيات الاعيان أن اسم الخليفة المتوكل كان محفورا على الحجر فى شريط كتابى يحيط بفوهة البئر من أعلاها والنص مؤرخ بشهر رجب عام 247هـ 861م وأشار إلى أن البئر ( المقياس ) قد بنيت على يدى أحمد بن محمد الحاسب . التكوين المعمارى للمقياس يتكون مقياس النيل من عمود رخامى مدرج يتوسط بئر مربعة من الحجر وبالئر درج أو سلم حول يوصل الى القاع وعمود المقياس مقسم إلى ستة عشر ذراعا بعلامات عرضية منتظمة تبدأ من القاعدة وحتى الجزء العلوى من العمود يتصل المقياس بنهر النيل بواسطة ثلاث فتحات تجرى بالقرب من القاع وهى فتحات معقودة بعقود مدببة ترتكز على أعمدة صغيرة ويوجد ببئر المقياس كتابات كوفية تتضمن الكثير من الآيات القرآنية التى تتعلق بالماء وأثره فى الحياة وكان يغطى بئر المقياس قبة فى السابق أما الغطاء امخروطى الشكل الموجود حاليا فهو من تجديدات لجنة حفظ الآثار العربية عام 1925م. مهندس مقياس النيل اختلف الكثير من الباحثين حول اسم المهندس الذى شيد المقياس وهومهندس يدعى أحمد بن محمد الحاسب وذلك كما كان مسجل فى النص الكتابى الذى كان موجودا على جدران المقياس وسجله معظم المؤرخين وقال البعض الآخر أن اسم مهندس المقياس محمد بن كثير الفرغان وهو من فرغانة بآسيا الوسطى وذكر آخرون أن احمد بن محمد الحاسب هو نفسه بن كثير الفرغانى صاحب المقياس أما الشخص المسئول عن القياس فى مقياس النيل فكان يعرف بصاحب المقياس وكان يقرأ الزيادة فى مستوى الماء كل يوم ويدون القراءة ويرفعها إلى أولى الأمر أطلق على مقياس النيل العديد من الأسماء التى عرف بها منها المقياس الهاشمى والمقياس الكبير والمقياس الجديد وإن كان أشهر هذة الأسماء هو مقياس النيل الدلالات التاريخية لمقياس النيل إن مقياس النيل فى الروضة يشهد ببراعة المسلمين فى البناء والتشييد ليس فقط بالنسبة للعمائر الدينية ولكن أيضا بالنسبة للمنشآت المائية ـ إن مقياس النيل يوضح أثر العقيدة الدينية الاسلامية فى العمارة حيث حرص المسلمون على بناء المقياس لتحقيق العدل فى تقدير الخراج على الأراضى الزراعية ـ إن بناء المقياس بهذا التصميم الرائع من الناحية الفنية والمعمارية يدل على براعة ومهارة المهندس الذى شيده وتتجلى براعة مهندس المقياس فى الأتى: ـ اختيار موقع المقياس ـ بناء جدران بئر المقياس بالحجر المنحوت الذى يزيد سمكه كلما زاد عمق الأرض ـ شيد المهندس بئر المقياس على ثلاث مستويات وليس مستوى واحد المستوى السفلى من البئر على هيئة دائرة والأوسط والعلوى على هيئة مربع مما يدل على دراية ومعرفة بالنظرية الهندسية الخاصة بازدياد الضغط الأفقى لللأتربة على الجدران كلما زاد عمقها فعل الماء ـ كذلك استخدم فى بناء المقياس مونة تقاوم التحلل بفعل الماء ـ اختيار الوقت المناسب لبناء المقياس وهى الفترة التى يجف فيها فرع النيل تماما بين الروضة والفسطاط وبين بدء الفيضان مرة أخرى وهى مدة ستة أشهر ـ كما تتجلى براعة مهندس المقياس فى وضع عمود المقياس على طبلية من الخشب لتمنع خوص العمود فى الطين ولا يتعرض بذلك عمود المقياس للهبوط أو الزحزحة ـ ظهرت براعة مهندس المقياس فى أنه أوجد ثلاث فتحات معقودة بعقود مدببة فى جدران المستويات الثلاث للمقياس حتى يعمل على تخفيف ثقل الجدران ويلاحظ أن فتحات المقياس الثلاث المتصلة بنهر النيل تقع فى الجهة الشرقية ولم يجعلها فى اى جهة أخرى وذلك لأن المقياس يقع فى جنوب جزيرة الروضة اى فى مهب تيار المياه المتدفق من الجنوب الى الشمال فحاول المعمار كسر حدة وسرعة التيار فاوجد الفتحات فى الجهة الشرقية لهدوء التيار فى هذة الناحية ولأن نزول الماء من مكان مرتفع إلى مكان منخفض بسرعة وقوة كان كفيلا بهدم المقياس ـ لمقياس النيل دلالة هامة من الناحية الاقتصادية فقد كان متولى المقياس إذا وجد العلامة قد وصلت إلى الستة عشر ذراع يضع ستارة سوداء على شباك المقياس فإذا شاهدها الناس تباشروا بوفاء النيل ويرسل الحاكم بشيإلى كل البلاد لتطمئن القلوب كذلك كان تجار مصر يرسلون عيونهم لمراقبة القاضى أثناء قراءة المقياس فإذا تأكدوا أن فيضان النيل أقل من المعدل ذهبت العيون وأخبرت التجار بذلك فيقوم التجار بتخزين السلع والبضائع والغلال وتختفى هذة السلع من الأسواق وترتفع الاسعار ارتفاعا كبيرا مما يؤدى إلى حدوث اضطراب اقتصادى ويصبح التجار فى ثراء فاحش على حساب جموع الشعب ونتيجة لهذا الأمر فقد أمر الولاة أن تكون قراءة المقياس سرية لا يعلم بها أحد حتى لا يشيع الغلاء فى مصر وتضطرب أمور البلاد . كما أنه إذا جاءت قراءة المقياس اقل من المعتاد أدى نقص المياه إلى حدوث المجاعات وما يتبعها من مشاكل كثيرة فى المجتمع المصرى وأخيرا إن مقياس النيل ليس مجرد بناء ا عاديا ولكنه ابداع هندسى فى مجال المنشآت المائية ، كما أن هذا البناء كانت تتعلق به فلوب وعيون المصريين كل عام وقت الفيضان وكان هو ترمومتر الذى نستطيع من خلاله معرفة أداء وحال الاقتصاد المصرى ورغم توقف المقياس عن العمل بعد بناء السد العالى والسدود الأخرى على النيل فإن المقياس ما يزال يقف شامخا كأحد الصروح الخالدة فى العمارة الاسلامية فى مصر وكأقدم بناء استخدم فى عمارته الأحجار وظهرت به الكتابات الكوفية المزهرة والعقود المدببة والأعمدة المدمجة .